رئيس القضاء والصحفيون!!
لظرف خارج عن الإرادة لم أتمكن من تلبية الدعوة التي قدمها مولانا البروفيسور “حيدر أحمد دفع الله” رئيس القضاء لرؤساء التحرير وكُتاب الأعمدة، للتشاور في قضايا متعلقة بالمؤسسة القضائية. وهي بادرة طيبة أن يشرك الجهاز القضائي الإخوة الصحفيين في تلك الأمور الهامة التي نادراً ما نسمع أن القضاة أسمعوا أو استمعوا للصحفيين.. فدائماً نلاحظ أن القضاة يبتعدون من دائرة التصوير والصحفيين ولا يقولون حديثهم إلا داخل قاعات المحاكم.. ولذلك نادراً ما تكون هناك علاقات بين الصحفيين والقضاة أو القضاة والصحفيين. والمشكلة كلها هي النشر، فالقاضي ممسك بملفاته لا يبوح بها أبداً، ولكن أخالف صديقي “فتح الرحمن النحاس” رئيس تحرير الزميلة (المستقلة) عن عبوس القضاة وطردهم من أحد مكاتب ذاك القاضي الذي ذهبوا للحصول على معلومات عن قوانين سبتمبر.. لقد ارتبطت بيني وبين قضاة القضائية علاقة قوية ومتينة إبان فترة عملنا بالأيام، وحتى المحاكمات التي طالت سدنة النظام المايوي كنا نتابعها من داخل القاعات، ولم نجد ما يعكر صفونا من القضاة أو من أي شخص داخل القضائية. ونشأت بيني وبين مولانا “مبروك” رئيس القضاء بعد سقوط النظام المايوي علاقة طيبة.. كنت أذهب إليه بمنزله بالشهداء أم درمان، كان رجلاً لطيفاً ورقيقاً وحازماً وحاسماً في نفس الوقت، والجميع لا ينسى موقفه مع الراحل “صلاح عبد السلام الخليفة” حينما احتد معه وصفع الباب وخرج ولحقه مولانا وأعاده إلى مكتبه بقوة وحسم شديدين، رغم أن الراحل “صلاح” كان وزير رئاسة مجلس الوزراء.. كانت تربطنا علاقات حميمة مع مولانا “عبد المنعم الزين النحاس” وكان واحداً من نواب رئيس القضاء وكذلك مولانا ” عبد الرحمن عبده” قاضي أشهر محكمة بعد الانتفاضة وهي محكمة الفلاشا ومولانا “أحمد البشير” قاضي المحكمة العليا، و”رباب أبو قصيصة” ومولانا “أبو قصيصة” قاضي المحكمة العليا و”توحيدة” ومولانا “محمود أبكم” وحتى السعاة “ود المهدي” والسكرتيرة “نوال” كنا نعرفهم ويعرفوننا تماماً، لم نحس بالرهبة داخل القضائية كنا نلتقط الأخبار يومياً وفي الغالب نخرج من أولئك القضاة بكباية شاي أو قهوة، لأنهم لا يمنحوك أي معلومة غير الابتسامات واللطف والذوق والأدب.
أما مولانا “حيدر أحمد دفع الله” فقد عرفته منذ وقت طويل وهو ولد أم درمان، وإذا كتبت اسمي الحقيقي فهو في الحسبة يصبح عمي لأن اسمي في الشهادة “صلاح الدين محمد أحمد دفع الله” وهو “حيدر أحمد دفع الله”. التقيته بالدوحة عام 2000م، وأقام لي مأدبة إفطار فاخرة بمنزله، دعا لها القيادات كل في مكانه مدير سودانير، ورجال القضاء وشخصيات كبيرة من السودانيين العاملين بالدوحة، وعندما التحقت بجريدة الشرق القطرية أول من جاءني مهنئاً بالمنزل، فهو رجل خلوق ولم تتسلل إلى داخله قسوة المحاكم وأحكامها المخيفة.. الإعدام شنقاً حتى الموت والسجن المؤبد وغيرها من الأحكام المرعبة، فهو رجل إنسان ولو قيل لي لو لم يكن قاضياً لقلت طبيب أطفال لرقته وعذوبته.
أما مولانا الدكتور “عوض الحسن النور” الشفيف الرقيق الإنسان العائد لأرض الوطن بعد فترة اغتراب، عملت معه بمعهد التدريب والإصلاح القانوني كمسؤول إعلام لفترة امتدت عدة سنوات كانت من أجمل الفترات، لم أحس أن هناك رئيساً ومرؤوساً، وكان معنا الدكتور الأرقَّ “صلاح حسين معروف” نكرر اعتذارنا لعدم المشاركة.