ودنوباوي التي عرفتها(32)
نواصل الحديث عن نساء لهن تاريخ بحي ودنوباوي العريق الذي خرج رؤساء كـ”جعفر نميري” وزعماء الإمام “عبد الرحمن المهدي” وابنه “الهادي” و”الصديق” و”الصادق” وأحفاده، أمثال الدكتور “الصادق الهادي” و”نصر الدين” و”مبارك الفاضل” وغيرهم من القيادات السياسية التي لعبت دوراً هاماً في تاريخ هذا الوطن. مولانا “صادق عبد الله عبد الماجد” و”دفع الله الحاج يوسف” والبروفيسور “الشيخ محجوب جعفر” وقادة كثر سوف نتطرق إليهم بالتفصيل، ولكن ورغم أن معظم الحلقات السابقة التي كتبناها عن هذا الحي كانت من الذاكرة ولكن نحاول الاستعانة ببعض الشخصيات التي عاصرت وعايشت تلك المراح، لأن كتابة التاريخ وحركة التوثيق تحتاج للاستعانة بالخبراء وأهل المعرفة. وفي هذه الحلقة التي شرعنا في كتابتها استعنا ببعض أبناء ودنوباوي ممن لهم المعرفة والدراية مثل الدكتور “صديق بابكر أحمد دفع الله” والأستاذ “علاء الدين خليل” و”صلاح علي جميل” فربما معلوماتهم حاضرة، خاصة وأنهم عايشوا تلك الفترة .. فمن النساء اللائي كان لهن دور في الحي والدة الإمام “عبد الرحمن المهدي” السيدة “مقبولة بنت الأمير نورين”، وكان يطلق عليها الكبار والصغار اسم أمنا “مقبولة”. فقد وهبت منزلها الذي كانت تسكن فيه وهو بالقرب من مسجد السيد”الرحمن المهدي”، وهبته ليكون مدرسة ودنوباوي الأولية ثم مدرسة ودنوباوي الوسطى ومن خريجيها الآن أطباء ومهندسون وأطباء جيش وغيرهم ممن امتهن المهن الأخر. ويقال إن السيدة “مقبولة” ورغم أن منزلها كان يحتل مساحة كبيرة ولكنها اكتفت بغرفة واحدة منه، فيما تركت باقي المنزل ليكون مدرسة ينهل منها التلاميذ في بدايات خمسينيات القرن الماضي. وكانت السيدة مقبولة تمتاز بالهدوء والعطف والتسامح ولم تكن الصفات الحسنة غريبة عليها كيف ولا وهي والدة الإمام “عبد الرحمن المهدي” أبو الوطنية والتسامح، وقد عرف منافسوه من الأحزاب الأخرى تسامحه وعطفه ورقته وكرمه، ومازالت الطرفة التي يحكيها أهل ودنوباوي دائماً عندما ذهب “موسى ود نفاش” وهو أحد ظرفاء مدينة أم درمان إلى مولانا السيد “علي الميرغني” ولم يقدم له ما اعتاد أن يجده من الزعماء فمنحه فاتحة، ولكن حينما ذهب إلى السيد “عبد الرحمن المهدي” أغدق عليه العطاء وأعطاه ما كان يتمناه من مال. وقال قولته الشهيرة (فاتحة أبو علوة تفتح عند أبو عبده). وكان يقصد أن الفاتحة التي منحها له السيد “علي الميرغني” فتحت عليه عند السيد”عبد الرحمن”. وأسرة”المهدي” كلهم كرم وعطف وزهد في متع الدنيا فانظروا إلى تلك المربية الفاضلة “مقبولة” وهي مقبولة عند المولى عز وجل، فقد جادت بما تملك ليكون منزلها مقاً يدرس فيه التلاميذ فكم إيجار منزل مثل منزل السيدة مقبولة الآن بودنوباوي. فأهل ودنوباوي يضربون المثل الأعلى في التضحية من أجل الآخرين. وحكى أحد الأشخاص أن أنصاريً كان ينتظر الصلاة بمسجد السيد “عبد الرحمن المهدي” بودنوباوي فدخل رجل يسأل الناس أن يعينوه وقال إنني مجرد من الملابس ولا أملك ما يغطي سوءاتي، فما كان من الرجل إلا أن نزع جلبابه وألبسه الرجل وعاد إلى منزله بقميص داخلي، ها هم أهل ودنوباوي يضحون بأنفسهم ليسعدوا الآخرين.