الديوان

(الجنقو مسامير الأرض) يجلبون السعادة قبل شروق الشمس

 “قضارف وربك عارف”
القضارف – صلاح حمد مضوي
“الجنقو” هم العمال الزراعيون الذين قدموا ، ومن نواحٍ شتى إلى مناطق الشرق الخصيبة، حيث يعملون في حقول الزراعة المطرية وتتبدل أسماؤهم مع تبدل الفصول ومواسم الزراعة، هم في صيغة المفرد “جنقو” أو “جنقوجوراي”، يأتون من (دارفور(و(جنوب السودان) وبعض المناطق الأخرى، للعمل في حقول (الذرة) و(السمسم) في “القضارف” أو بلدات أخرى على الحدود السودانية الإثيوبية، على أمل أن يعودوا يوماً إلى قراهم ومداشرهم يحملون رزق صنيعهم، لكنهم يبقون في مناطق النزوح، يبددون ما يكسبونه في النهارات القائظة، وتستمر حياتهم بهذا الإيقاع، ولا يعودن أبداً إلى قراهم.
ومدينة “القضارف” بشرق السودان تقع على حدود إثيوبيا واريتريا ترتمي على سهول زراعية شاسعة (خشم القربة) ..(نهر القاش)، وقبل أن تدلف إلى (بطن) المدينة تتراءى لك ساحتهم، ترتاح نفسك لمحياهم، وجدت نفسي كعصفور لصفائهم، فهم يتغذون من (الحلال)، وعلى الرغم من التعاسة وآثار الشقاء البادية عليهم إلا أن دواخلهم صافية كالينابيع العذبة، مازالوا يفرحون ويرقصون بصدق.
اقتربت في الصباح الباكر من ساحة كبيرة يتجمع بها مئات من (الجنقو مسامير الأرض) هنا في القضارف (مطمورة السودان)، وحينما يقول الروائي السوداني العالمي “عبد العزيز بركة ساكن” إن هذه العبارة مقولة لمجهولين، و”الجنقو” كما وصفهم في رواياته التي طبقت شهرتها الآفاق وعرفت بهم أنهم “يتشابهون في كل شيء، يقفزون في مشيهم
قلت لمحدثي من (الجنقو) ويدعى “أحمد آدم” ما اسم هذا المكان الذي يوجد به المئات من الشباب الكادحين كلهم يعملون كعمال زراعة موسميين، يأتي إليهم وكلاء المشاريع الزراعية، لتتم (المقاولة) على العمل في المشاريع الزراعية، كان يرتدي بنطالاً وقميصاً ويلتفح شالاً ليقي به نفسه من نسمات البرد الصباحي، لقد ترك الشقاء أثره على يديه ومحياه، لكنه بدا سعيداً ومتصالحاً مع نفسه، اعتدل في جلسته ..فور وصولي لهذه الساحة جلست إليه من فوري، فهو كان يجلس القرفصاء ويرمي بنظراته بعيداً كما بدا لي حينها قال لي بحماس “نأتي إلى هنا منذ الصباح الباكر، العمل كله في المواسم، نتخذ مكاناً في هذه الساحة الكبيرة، وعادة ما يأتي أصحاب المشاريع إلى هنا للاتفاق على العمل، يتم الاتفاق بين الطرفين على الأجر المادي، العمل نأخذه جملة وبالمقابل فإن أجرنا يكون لكامل العمل، من الحشائش إلى الحصاد، وبعد الاتفاق نذهب إلى المكان البعيد في قلب المشروع، وهناك تبدأ رحلة لحياة جديدة مؤقتة، ويضيف صحيح أن العمل شاق وتظل سحابة نهارك منهمكاً في عملك اليدوي الشاق، لكنك بين الفينة والأخرى تسحب جسدك إلى حيث قيلولة قصيرة العمر، تفتح تفاصيلك على الشمس وتغلقها عند المساء، زاد محدثي في تفاصيله بالقول: نشتغل كعمال موسميين في أيام حصاد (الذرة) و(السمسم)، وتسير الحياة للأيام التي نقضيها بكامل التفاصيل، صحيح أن العمل شاق وقاسٍ لكنها حياتنا ومصيرنا، ونحن كما ترانا الآن بالمئات لكن لكل واحد منهم حياته وتفاصيلها، تمضي الأيام بقسوتها، حلوها ومرها، ولكن في النهاية تظل الأيام تمضي على هذه الوتيرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية