إنه يعمل في صمت..!!
المثل السوداني يقول (فلان دا يوم شكره ما يجي)، في إشارة إلى أن الإنسان في السودان لا يشكر إلا بعد الموت، ولكنها عدلت الآن وأصبحت الاحتفاءات والاحتفالات تقام للأحياء حتى يحس الإنسان بمكانته عند الناس. وهي فرحة لا تدانيها فرحة حينما يشهد تكريمه بنفسه، وتمتد العظمة للذين يقيمون له الاحتفال بناءً على ما قدمه للوطن أو للآخرين، أو قدم عملاً ووجد هذا العمل الاستحسان عند قبيلته وأهله. وعلى ضوء ذلك أقيم له الاحتفال الذي يليق بمكانته وسط أصحابه أو أهله أو أصدقائه، فالكتابة عن الأشخاص أحياناً ينظر لها بالمصلحة أو أن فلاناً ما كتب عن هذا الشخص إلا لمنفعة أو لغرض، ولكن نحن أحياناً نظلم المبدعين والصامتين ولحديث الناس نختشي عن الكتابة عنهم أو تمجيدهم.. فكم من مبدع في هذا الوطن وكم من شخصية ظلت تعمل في صمت عشرات السنين دون أن تكرم، أو يقال لها أحسنت ومنحها سطرين في صحافتنا التي تكتب عن أشخاص لا يستحقون عبارات الثناء والشكر. ترددت كثيراً في الكتابة عن هذا الرجل رغم ما يربطني به من علاقة منذ زمن طويل، ولم تربطني وحدي بل معظم قبيلة الصحفيين يعرفونه معرفة تامة ويعرفهم فرداً فرداً، يتابع ما يكتبون ويستمع لما يقدمون ويشاهد ما يبثون عبر المحطات الإذاعية والتلفزيونية.
الدكتور “جلال محمد أحمد” الأمين العام للمفوضية القومية للانتخابات رجل أمة ظل يعمل في صمت منذ عشرات السنين، وخبرته المجالس التنفيذية والتشريعية وشهده الحكم المحلي وشهده الريف وشهده البرلمان. فقد قدم لهذا الوطن في صمت شديد، دون أن يقدم نفسه للوسائط الإعلامية، وإذا جاءته هرب منها محتسباً ما يقدمه لوجه الله لا يريد الثناء ولا الشكر.. فهو عالم في مجاله حافظ لوحه كما يقولون.. زاهد في متع الدنيا وضع لبنات ثابتة للانتخابات السودانية نفخر بها الآن، وهو من الخبراء الذين يستعان بهم في مجال الانتخابات بالعالم. طاف أفريقيا وأوروبا والدول العربية التي استعانت به في انتخاباتها، يمتاز بالبساطة والمرح والظرف والنكتة، متابع جيد لكل ما يدور في الساحة ويفتخر جداً عندما يشاهد إعلامياً سودانياً في إحدى الفضائيات العربية. وهو يجيد عمله واذا أدار هذا الإعلامي السوداني حواراً رائعاً أحس بالغبطة والسرور افتخاراً بالإنسان السوداني الذي لمع نجمه وترك بصمة واضحة في تلك الفضائية .
إن الدكتور “جلال” من الشخصيات التي تحتفظ بكنوز من المعلومات منذ الحقبة المايوية التي عمل فيها تنفيذياً، لا علاقة له بالسياسة وهو اجتماعي من الدرجة الأولى، شأنه وشأن كثير من أهل السودان الذين يحرصون على التواصل الاجتماعي في الأفراح والأتراح .
الدكتور “جلال” خريج جامعة الخرطوم ونال دراسات عليا بالولايات المتحدة الأمريكية وحصل على درجة الدكتوراة من جامعاتها، وجاب مدن السودان المختلفة ضابطاً إدارياً عندما كان للضابط الإداري مكانته وهيبته، عمل مع البروفيسور العالم الجليل “عبد الله أحمد عبد الله” رئيس المفوضية القومية للانتخابات الذي استقال من منصبه بسبب المرض. والبروفيسور “عبد الله” أيضاً من الشخصيات السودانية النادرة، فقد أسس مع مولانا “أبيل ألير” ودكتور “جلال” وطاقم المفوضية الذي أدار انتخابات 2010 صرحاً شامخاً للانتخابات يستظل السودان الآن بها، فمتعهم الله بالصحة والعافية ونسأل الله أن يجعلهم ذخراً لهذا الوطن.