أسبوع في عاصمة الضباب (3)
كان الجو ملبداً بالغيوم أو بالضباب، وكانت زخات المطر تنزل من السماء مع لسعات البرد الخفيفة. وقتها كانت درجة الحرارة بالخرطوم قد تجاوزت الخمس وأربعين درجة، وعندما هبطت بنا الطائرة مطار هيثرو كانت درجة الحرارة أربع عشرة درجة وهي ما يقارب ثلاثة أضعاف ما بالخرطوم انخفاضاً.
مؤسسة (طمسون) بالتنسيق مع المجلس البريطاني والسفارة البريطانية بالخرطوم والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات هم من قاموا بالإعداد باختيار رؤساء التحرير للذهاب إلى لندن للتعرف على واقع الصحافة الإنجليزية، لذلك كان البرنامج مضغوطاً جداً.
مسز “هيلي” منسقة البرنامج في بريطانيا كانت حريصة على إنجاح البرنامج في الوقت الذي حُدد له (14-21) يونيو 2014م، لذلك كانت تأتي من مسافة تقدر تقريباً بثلاث ساعات للإشراف على البرنامج.. كانت تبدأ بزيارتنا بفندق (Strand) وسط لندن تقريباً ومن ثم الذهاب إلى مقر المحاضرات أو الورش.
التنسيق كان جيداً، والمقرر معد بصورة تنم على تلقي العلم والمعرفة.. أولاً- المحاضرات بدأها البروفيسور “ريتشارد تيد” “Richard Tied”.. وحقيقة هو رجل عالم، مارس الصحافة ودخل في دروبها لذلك تمكن من كل صغيرة وكبيرة فيها، تحدث عن الصحافة البريطانية وعن تراجع نسب توزيعها بسبب الوسائل الحديثة التي دخلت كالانترنت وغيره من الوسائل التي تتيح للمتلقي المعرفة السريعة خاصة فيما يتعلق بالخبر.. وتحدث عن اهتمامات المواطنين أو المتلقي وما يحتاجه من الصحافة وضرب العديد من الأمثلة، وقال إن لندن تعدّ مركزاً للأخبار، وقال إن الصحافة البريطانية طابعها محلي بمعنى أن تركيزها على الأخبار المحلية، لكن هناك تركيز على الأخبار العالمية.. وتحدث عن صحف الـ(Observer) و(Sunday) و(Guardian) وقال إن الصحافة الإنجليزية تراجعت، وهناك صحف كانت تطبع ما يقارب الـ(12) مليون نسخة تراجعت نسبة توزيعها إلى سبعة ملايين.. وتحدث عن الصحافة الليبرالية كـ(الغاردين) والـ(أوبزيرفر)، وقال إن الصحيفة تحقق خسائر، لذلك لا بد من أنشطة أخرى تعوض تلك الخسارة.
حديث “تيد” يقودنا إلى النظر في واقع الصحافة السودانية التي تعتمد أولاً وأخيراً على الصحيفة، بمعنى أن الناشرين يحاولون تحقيق مكاسب من خلال الصحيفة، لكن الصحافة البريطانية أو ناشري الصحافة البريطانية لهم هدف من إنشاء تلك المؤسسات الصحفية كـ”مردوخ” الذي يتملك عدداً من المؤسسات الصحفية والتلفزيونات وكوّن إمبراطورية إعلامية ضخمة. ورغم أن “مردوخ” سعى لضم العديد من المؤسسات الإعلامية بمعنى الاحتكار، لكن البرلمان أوقف مساعيه في ذلك.. ولا أدري هل بإمكان البرلمان السوداني إيقاف مثل تلك الهيمنة؟! ففي بريطانيا كل شيء مكشوف وعلى العلن، لكن في السودان كل شيء في السر ويتم في الليل (ودفن الليل أب كراعاً بره)، فالبرلمان البريطاني رفض أن يحتكر “مردوخ” سوف الإعلام وأوقف عمليات البيع الاحتكاري. والبروفيسور “تيد” مشبع بالصحافة ويعرف أسرارها ومكنوناتها.
ساهم الأستاذ “فيصل محمد صالح” في الترجمة باللغتين العربية والإنجليزية، و”فيصل” طوّر نفسه بصورة مدهشة واستفاد من المنحة التي قدمت له في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما كان صحفياً بجريدة (الصحافة)، فقد حصل على منحة دراسية بلندن.. و”فيصل” اليوم “فيصل” آخر، واللغة تحتاج إلى حماسة وتواصل بين أهلها.