ولنا رأي

ذكرياتي في القاهرة (14)

من أمتع السنوات التي عشناها كانت بـ”جمهورية مصر العربية” إبان فترة الدراسة، وقدمت وزارة التربية المصرية والجهات المسؤولة عن البعثات الدراسية فرصة ذهبية للطلبة السودانيين في دروب العلم كافة وفي مجالاته المختلفة (طب، هندسة، زراعة، إعلام وقانون)، حتى المعاهد التجارية والفنية ومعاهد التلكس والتبريد والتكييف، استفاد منها الطلبة السودانيون أينما استفادة. وكان المسؤولون المصريون ينظرون إلى ذلك مستقبلاً، وبالفعل الآن هناك قاعدة عريضة من خريجي الجامعات المصرية تدين بالولاء لها ولما قدمته لهم، والطلبة السودانيون لم يخذلوا المسؤولين المصريين الذين فتحوا لهم الجامعات أمثال الراحل “طلبة عويضة” مدير (جامعة الزقازيق) في سبعينيات القرن الماضي، فقد استوعب عدداً كبيراً من الطلبة السودانيين بكليات (الطب، الهندسة، الزراعة والصيدلة)، وكانوا أفضل بكثير من الطلبة المصريين أنفسهم كما قال. ولم يكن المسؤولون المصريون وحدهم الذين يحترمون السودانيين، بل على مستوى الأجهزة الأمنية، فإذا وقع شجار ما بين سوداني ومصري تجد الشرطة دائماً تقف إلى جانب السودانيين، لا ندري هل هو احترام أم نظرة مستقبلية أم نظرة سياحية، إذ أن عدداً كبيراً من المواطنين السودانيين كانت وجهتهم “مصر” من ناحية السياحة والتجارة، ربما لهذا لا تريد الأجهزة الأمنية أن تخسر المواطن السوداني على مستوى الطلبة أو على المستوى العام للسودانيين، ولذلك كان الطلبة السودانيون يتحركون داخل “جمهورية مصر العربية” في أي وقت، وليس هناك زمن محدود يمنع فيه التحرك، أحياناً تبدأ زيارات السودانيين لبعضهم البعض بعد منتصف الليل، وأحياناً يسافر الطالب إلى “الإسكندرية” أو “الزقازيق” أو “المنصورة” بعد العاشرة مساء لا أحد يسأله من أين أتيت أو إلى أين ذاهب؟!
و”جمهورية مصر العربية” من الدول التي لا تنام الحركة فيها أربعة وعشرين ساعة، ولذلك لا يخشى أحد من انعدام المواصلات إن كانت على مستوى تاكسي المحافظات أو القطار، فالتاكسي (البيجو) كان أسرع وسيلة مواصلات إلى محافظات مصر المختلفة حتى في مدينة “بور سعيد” التجارية كان (البيجو) يلعب دوراً مهماً في الحركة ما بينها وبين المدن المختلفة.
أما السينمات فمعظمها تعرض الأفلام المصرية القديمة، ففي كل حي تجد بعض السينمات تقدم في العرض الواحد ثلاثة أفلام، وبإمكان المواطن أن يدخل ويخرج على كيفه، ويمكنه متابعة الفيلم المشاهد ثم متابعة بقية الأفلام الأخرى، ولكن عيب تلك السينمات أشبه بالسوق يكثر فيها الإزعاج والحديث بأصوات عالية وتجرى فيها عمليات البيع من (البيبسي كولا) إلى (السجائر) والمأكولات المختلفة، ورغماً عن ذلك تجد الكثيرين يستمتعون بها.
أما السينمات الراقية كـ(أديون) وغيرها من الأخريات، تقدمن بعض الأفلام الأجنبية الراقية وأحياناً الأفلام العربية، إضافة إلى المسارح (مسرح البالون) و(مسرح جورج أبيض)، ولها مسرحيات لـ”عادل إمام” وغيره من المسرحيين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية