خيار الفشل
} اختار الرئيس السادس من (أبريل) للقاء المائدة المستديرة مع الأحزاب التي توافقت على الدخول في حوار مع المؤتمر الوطني. وكان مساء أمس (الأحد) لقاء “البشير” بالأحزاب ليتوافق مع مرور ذكرى عزيزة لقلوب كثير من السودانيين وكئيبة على بعضهم. الثائرون على نظام الرئيس الأسبق “جعفر نميري”.. والخاسرون مقاعدهم وسلطانهم يوم غروب شمسه، يستقبلون تاريخ السادس من أبريل بمشاعر مختلفة.. ما بين الحب والكراهية.. الأمل والفشل.. الرجاء والعشم.. انعقد لقاء الرئيس بقادة أحزاب الأمة (القومي) و(الاتحادي الديمقراطي).. والمؤتمر (الشعبي) و(الإصلاح الآن)، وتلك هي القوى التي تشكل افتراضاً قوى الصناديق الانتخابية!!
وقاطع اللقاء أحزاب لها وجود في الساحة مثل الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث والناصريون، وهؤلاء أحزاب نخب لها تأثيرها على الرأي العام ولكنها ضعيفة شعبياً، وحظها وفرصها في أن يختارها الشعب لتنوب عنه في البرلمان ضعيف جداً!!
} الحوار الذي أعلنته الحكومة منذ يناير الماضي لضخ هواء نقي في رئتي الوطن الذي كتمت أنفاسه الحروب وبات الشعب تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية كالسكير وما هو بسكير، ولكن عذاب الفقر الشديد والجوع والتفسخ الأخلاقي والفساد قد نخر في العظام وباتت الحكومة أمام خيار الحوار الداخلي، وقدمت في سبيل نجاحه تنازلات . الحكومة تنازلت عن التمسك بالسلطة لوحدها.. وأقرت إشراك الآخرين معها.. الحكومة تنازلت عن عدم اعترافها إلا بنفسها وقبلت ب”الصادق” و”الترابي” و”الميرغني” و”إبراهيم الشيخ” و”فاروق أبو عيسى” شركاء في الوطن.. وربما قبلت الحكومة غداً د. “جبريل إبراهيم” و”ياسر عرمان” و”عبد العزيز الحلو” و”عقار” و”عبد الواحد” شركاء في السراء والضراء.
} التفاؤل الذي ساد الشارع العام منذ أمس (الأحد) بأن ثمة ضوء في آخر النفق بدأ يلوح.. وأن الليل الطويل الصارم النسمات قد ينتهي بصباح تشرق فيه شمس الحرية في بلادنا..وتغرب شمس الحروب والموت والدماء والآهات والأحزان.. ويعود النازحون إلى قراهم.. ويضع (الترابورا) السلاح ويدخل الجنجويد في ملكوت الله رغم مزاعم “عبد العزيز بركة ساكن”…. وتسكن الطمأنينة قلوب الناس ويعود المزارع لأرضه والراعي لوديانه يحمل عصاه يهش بها غنمه.. لا بندقية يقتل بها المزارع لتأكل نعاجه ثمرات زرعها غيره.. وتختفي (المشاحنات) اليومية في المواصلات العامة. تلك هي الأماني المترفة قد تبدو للبعض مستحيلة وقد يقول قائل (هو السودان الآن أفضل من أي سودان من قبل).
الإحساس بالجوع والخوف مسألة تختلف من وإلى ولكن دعونا لا نتفاءل كثيراً ونتوقع كل الاحتمالات ونعد أنفسنا لها.. ولنبدأ بالاحتمال (الأسوأ) أن يفشل الحوار الذي بدأ بالأمس بقاعة الصداقة!! وليس مهماً من الذي أجهض الحوار!! ولا كيف ماتت الأحلام ووئدت الأماني وتبددت فرص نجاح أن يتوحد أهل السودان.
} فرص نجاح الحوار وفشله تبدو متقاربة جداً وما بينهما شعرة ضعيفة جداً.. وجسر صغير.. لو فكرت القوى السياسية فقط من العفو والتسامح فضيلة بها تهتدي وإليها تفتدي .. لماتت الأحلام وعادت الأوضاع لما كانت من قبل حرب كلامية ووعد من الحكومة يسحق المعارضة.. وتهديد من المعارضة بإسقاط النظام والزج به في أتون المجهول.. والمعارضة لا تموت والحكومة لا تجوع ولا تشقى ولكن الشعب هو الضحية.