ولنا رأي

رحيل المبدعين!!

رحل الشاعر العملاق “محجوب شريف” عن هذه الدنيا رافع الرأس شامخاً كنخلة بلادي، رحل ولم يحمل معه إلا حب هذا الوطن. ظل طوال حياته يدافع عن الغلابة والمساكين، كل أشعاره تغوص في عامية هذا الشعب.. يكتب ويكتب حتى آخر لحظات من حياته. كان الشعر متنفسه ولم يكن هذا الشعر من أجل التكسب كما يتكسب الشعراء عند بلاط الحكام.. رحل شاعرنا “محجوب شريف” وترك أرصدة تستفيد منها الأجيال القادمة، لم يكن له مال، ولم يسع له وإن سعى لوجده.. ظل يقاوم المرض ولكن لم يحتج لعدم وجود الدواء ولا الطبيب الذي يعالجه. كان قوياً صابراً حتى اللحظات الأخيرة من حياته، لقد شيعته الجموع ليس كواحد من الوجهاء أو أصحاب المال والسلطان، ولكن شيعته وسارت من وراء جثمانه الطاهر لأنه أحبها قبل أن تحبه، جسدها شعراً ودافع عنها بالقصيدة وبالكلمة، وظلت كل أشعاره محفوظة للكافة صغاراً وكباراً شيباً وشباباً. ظلت كلماته متداولة بين الناس ولأنها عفيفة ونظيفة وشفيفة أصبحت تمشي بين الناس، خرجت للأمة عندما حمل نعشه إلى “أحمد شرفي” كل كلماته التي سطرها يراعه عن الوطن أو عن ابنتيه.
لقد عاش ومات مرفوع الرأس كما كلماته التي عبر فيها عن كل حالاته وحالات الوطن.
تدافع لصيوان مأتمه بالحارة واحد وعشرين الثورة آلاف الناس لا رابط لهم إلا هو، وهذا الوطن.. عندما تدخل الصيوان الكل يعزي الآخر في فقده بكاه الرجال قبل النساء، بكته الفضيلة ولطفه وأريحيته، بكاه التلاميذ الذين علمهم فتخرجوا أطباء ومهندسين ومعلمين.
رحل المبدع الشاعر “محجوب شريف” كما رحل من قبله المبدعون، “حميد” وغيره من رموز الكلمة التي تسكن القلب والفؤاد. حاولت أن ألتقيه قبل فترة وكنت أعلم أنه قد قاطع الحديث إلى الصحف وغيرها من وسائل الإعلام. النقيب السيد “عبد الحميد خليل” في (استوب شقلبان) بالثورة سألته عن وجهته قال لي ذاهب إلى الأستاذ “محجوب شريف”. طلبت منه أن يحدد لي موعداً معه حتى ولو لم يكن الحديث للنشر الآن. ولكن مع مشغوليات الدنيا لم أتابع ما تم وما لم يتم، حتى سمعنا أنه قد أدخل مستشفى (تقى) بأم درمان قبل عدة أيام، ومن ثم جاء النعي برحيله عن هذه الفانية ظهيرة (الأربعاء) الثاني من أبريل 2014م.
كل مبدعي بلادي يرحلون عنا، ودون أن تكون لهم الأموال الطائلة والسيارات الفارهة ولا القصور الشاهقة وربما يكونوا مدينين، بينما هناك من يملكون المال وغيره من نعم الدنيا، ولكن لا يتركون بصمة في حياتهم في هذا الوطن. استرجعوا التاريخ والذاكرة فانظروا إلى كل المبدعين الذين رحلوا، فقد خلدوا ذكراهم بما هو مفيد لهذا الشعب، ولكن لا الدولة ولا الحكومة لا يلتفتون إلى هؤلاء المبدعين، رغم أنهم يتمتعون بما ينتج هؤلاء من فن وشعر وأدب، فهل تلتفت الدولة وترعى هؤلاء المبدعين قبل أن يرحلوا عنا بالحسرة واحداً تلو الآخر؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية