رحلتي إلى القاهرة (4)
نواصل الحديث عن زيارتنا إلى القاهرة.. وفي الحلقة السابقة تحدثنا عن الشيخ “كشك” الذي كان قبلة لعدد كبير ممن يرغبون في أداء صلاة الجمعة معه، وصلاة الجمعة معه عبارة عن متنفس لهم من خلال الشتائم التي يوجهها لنظام “السادات” آنذاك قبل أن يقتل. فالشيخ “كشك” كان مستمعاً جيداً ويجيب عن كل تساؤلات واستفسارات المصلين خلال أيام الأسبوع عقب صلاة العصر، وأذكر أنني دخلت عليه وعرفته بنفسي أنني طالب سوداني وفد إلى جمهورية مصر العربية بغرض الدراسة، ولكن هناك أشياء لم نعتدها في السودان مثل (البقشيش) وما حكم ما يطلب منك (بقشيش) نظير إجراء معاملة داخل الكلية كاستخراج شهادة بغرض التحويل المالي، أو شهادة القيد، أجابني بأنها تؤخذ على الشخص طالب (البقشيش) ولا ذنب عليّ.
وورد حديث منسوب إلى طالب سوداني أيضاً سأل شيخ “كشك” عن الفنان السوداني الذي يتغنى بأغنية تقول (البعبدها)، فقال: (تربس رأسه)، ولكن لم أسمع ولم أتأكد من صحة تلك المعلومة، ولكنها انتشرت وسط الطلبة السودانيين.
نعود إلى الشقة رقم (77) بشارع مصر والسودان بحدائق القبة دير الملاك.. كانت المجموعة متجانسة بحكم العلاقة الأمدرمانية وتقارب السن بينهم، ووقتها كانت السفارة تمنح الطالب عشرة جنيهات شهرياً قبل أن ترتفع إلى عشرين جنيهاً، والعشرة جنيهات كان بعض الطلبة يعيشون بها لأن إيجار الشقة لم يتجاوز وقتها الأربعين أو الخمسين جنيهاً لشقة تسع لأكثر من خمسة أو ستة طلبة، والشقة رقم (77) كانت تسع هذا العدد ويزيد.. ومن الطرائف داخل الشقة أو المقالب التي تحدث، وبرع فيها الدكتور الآن “موسى عمر محجوب” و”عبد المنعم سلامة” التاجر بسوق أم درمان خاصة مع الأخ “فيصل بشرى”، و”فيصل” كان يدرس بتربية (عين شمس) والمحاضرات تمتد إلى ما بعد المغرب أحياناً، لذلك دائماً يصل منهك القوى ويحرص على النوم مبكراً، وعندما يكون قادماً إلى الشقة كان يحرص على شراء كيلو من (البرتقال أبو صرة)، وعندما يدخل الشقة يخفيه ويضعه تحت السرير، وكان “موسى” و”عبد المنعم” عندما يدخلان عليه يشتمان رائحة البرتقال لكنهما لا يعرفان مكانه، وفي أحد الأيام احتالا عليه وألقيا بقميصه أسفل العمارة وأخبراه أن قميصه وقع أسفل العمارة، فقام مذعوراً ونزل ليبحث عن قميصه وهنا عثرا على البرتقال وأخذاه، واكتشف بعد ذلك أن برتقاله قد أُخذ.. كما دبرا مقلباً للدكتور الآن “تاج الأصفياء حسين” الذي يطلق عليه “حموري” للشبه بينه و”حموري” لاعب المريخ، فكتبا خطاب استدعاء له من السفارة السودانية بالقاهرة وأنه مطلوب للحضور فوراً ولأمر مهم وعاجل، ولبس “حموري” ملابسه مذعوراً وذهب إلى السفارة وهناك اكتشف أنه مقلب وقع فيه.
إن حياة الطلبة في مصر كانت بسيطة كبساطة أهل السودان، ومصر أتاحت لعدد كبير من الطلبة السودانيين إكمال دراساتهم الجامعية وما فوقها، لذا مهما يحدث بين مصر والسودان يعدّ سحابة صيف، فالكم الهائل ممن تعلموا في مصر يحفظون لها هذا الصنيع.. وأذكر أنا وزميلي الدكتور “صلاح عبد العزيز” دعينا لزيارة (شبين الكوم)، والدعوة كانت مقدمة من جارنا الأخ “الطيب قسم السيد” الذي ابتعث من قبل مصنع النسيج السوداني.. (شبين الكوم) مدينة هادئة وجميلة وصلناها عند المساء واليوم التالي كان أول أيام عيد الأضحى المبارك، وهو نفس اليوم الذي زار فيه “السادات” كامب ديفيد.
استيقظنا مبكراً.. طلب مني الأخ “الطيب” دخول الحمام أولاً باعتباري ضيفه، ولكني أصررت أن يدخل هو، وما أن دخل الحمام (والدنيا كانت برد) ولا يستطيع أحد الاستحمام بالماء البارد، فأشعل النار لتسخين الماء فاشتعلت النار في (أنبوبة الغاز)، ولولا شجاعته (لراح فيها) وكل من كان في الشقة.. فربنا لطف بنا إكراماً ليوم العيد.