خاطفة لونين
كثر الجدل وتبادل التصريحات والتصحيحات بشأن حكومة قومية أو انتقالية أم (خاطفة لونين)، فكل يوم يشهد تصويبة من حزب في مرمى السلطة يردها الآخر إلى هجمة مرتدة. ولست أدري فيما العجلة أصلاً، وهل قضية الوطن الآن (حكومة)! فقد جربناها بكل مسمياتها وسماتها من أيام الديمقراطية الثالثة إلى أنساق حكومات الإنقاذ المختلفة، حتى وصلنا لحكومة الوحدة الوطنية التى انفصل تحتها الوطن إلى نصفين، ثم حكومة قاعدة عريضة ولكنها قاعدة في مجلس الوزراء والمحليات والحكومات الولائية، ولم نعرف لتلك الأحزاب أو بعضها حضوراً قاعدياً يؤهلها لتقلد حقيبة وزارية ومنصب تنفيذي.
إن المطلوب من القوى السياسية والحزبية المختلفة وغض النظر عن رأي الناس فيها الانتباه إلى مطلوبات المرحلة، والتي أعتقد أن آخر مراحلها تلك الحكومة دون التقيد بمسماه ، لا يمكن لأحد أن يحدث الناس عن الحكم وهو لم يقدم في الحوار والتواصل الكائن الآن سهم مقترحاته، وإن كانت القوى الحزبية (تقوم وتقع) وتعلق حتى الآن من بعض جماعاتها في أوحال التردد والهواجس. فكيف لعاقل أن يتصور انسجامها مع شركاء في سلطة تجمع الكل، بل أن هذا التباعد وما لم تتغير حالته فمن الأفضل فيه استمرار الحكومة الحالية، إلا إذا أردنا أن نشكل حكومة لكل وزير فيها التزام خارج الوزارة، ولكل مسؤول فيها تواصل مع صديق بالداخل والخارج ليتحول السودان إلى بلد يدار ويحكم عن بعد. ولن ترون من حكومة مثل هذه إلا الخلافات والتناقض وظهور اختلافات القوى الإقليمية على مشهد الساحة السودانية.
المؤتمر الوطني وإزاء قفز خصومه مباشرة إلى تسمية حكومة انتقالية، سيكون من الطبيعي أن يتذكر ويخشى على تفويضه الانتخابي الذي يخوله للحكم حتى ميقات الانتخابات في العام المقبل. وبهذا سيكون مفهوماً جداً أن يرفض هذا العرض خاصة أنه اقترح حسن نية وطرح وثيقة للتحاور بشأنها، أبان فيها أنه لا يرفض ترتيب البيت الداخلي وفق مقتضيات المصلحة الوطنية، بما يحفظ حق الآخرين المشروع في الحكم وفق وسائل ديمقراطية متفق عليها. وهى الوثيقة والحوار الذى يتناساه البعض ممن يقفزون مباشرة إلى الحديث عن تنحي الإنقاذ وإزاحتها، ولا يوجد في الأفق ما يجبر الحكومة على ذلك خاصة إن أتى الطلب من معارضة أضعف من أن تهز شعرة في رأس الحكومة. !
أقبح ما في هذا الجدل أن الشعب سيتابعه بملل عظيم واستياء ربما، فالأحزاب التي تزعم أن قضيتها قضية المواطنين تبدو أبعد كل البعد عن تلمس واقع حياة الناس الذي يحتاج إلى الكثير، ليس المعالجة والمخرج فيه أن يكون “فاروق أبو عيسى” وزيراً للخارجية، أو أن يكون “الترابي” قائماً على العدل والشريعة، أو أن “الصادق المهدي” رئيساً للوزراء.وهكذا قس فكل هؤلاء ومن بينهم غالب نجوم المؤتمر الوطني حكموا مرة ومرتين، فما انفكت عقدة وما انحلت أزمة و(الطين في طينو).