بين راعي حائل وراعية كردفان!!
بين الراعي السوداني الذي شغل المملكة العربية السعودية والسودان بضربه لأروع مثل في الأمانة والصدق والخوف من الله، وبين الراعية السودانية التي شغلت الناس داخل السودان قبل فترة، بقصتها التي أدت إلى إلقائها داخل البئر بمنطقة شمال كردفان، عندما ضاعت منها ثلاث نعجات أو (غنمايات) وخيرها والدها بين الموت أو إلقائها داخل البئر، فاختارت البئر التي مكثت فيها أربعين يوماً حتى جاء بعض السيارة فأخرجوها كما أخرج السيارة سيدنا “يوسف” من البئر، بعد مؤامرة إخوته له فألقوه في غياهب الجب فالتقطه السيارة وبيع بثمن بخس.
إن الطفلة “أم شمائل” التي ألقاها والدها داخل البئر لأنها أضاعت ثلاث (غنمايات) لا تدري أين ذهبن، ولكن قسوة الأب لم ترحم تلك الطفلة ولم تراع براءتها، ولم تشفع توسلاتها ولم تهزه دموعها وهي تطلب الصفح والعفو منه، ولكن الشيطان زين له أن (الغنيمات) أفضل له من فلذة كبده فألقاها داخل البئر ولم يسأل عنها. ولكن رحمة المولى عز وجل وعنايته حفظتها ورعتها وأرسلت من يطعمها وهي في غياهب الجب أربعين يوماً.. لا أم سألت ولا أب حدثته نفسه بالتراجع أو ندم على ما فعله بطفلته، ولا عم ولا خال ولا أسرة سألت عن تلك الطفلة البريئة التي لم تعرف أين ذهبت تلك (الغنيمات).
“أم شمائل” التي كتب لها الله الحياة زفت قبل أيام عروساً لزوجها، واحتفلت الخرطوم وأسرتها بهذه الزيجة المباركة، فـ”أم شمائل” من راعية أغنام بسيطة إلى عروس احتفلت بها أسرتها التي لم تسأل عنها، عندما ألقيت في الجب وجلس والدها يشهد عقد قرانها. وسبق أن كان في انتظار خروج جنازتها من الجب.. مفارقة غريبة بين الراعي السوداني الذي خاف الله في حق الغير، ولم يخف والد “شمائل” في فلذة كبده.. الراعي كان يخشى السؤال في (الشبير) كما قال وهو يقصد القبر، ولم يخش والد “شمائل” الله في ما إذا كان قد قتل النفس التي حرم الله قتلها. الراعي السوداني نال رضا الله والعباد ومنح آلاف الريالات لصدقه وأمانته، ولا ندري كيف كان والد “شمائل” هل نال اللعنات من الله ومن العباد لتلك الفعلة التي لم يرضها البشر قبل الله.
في الجاهلية كانت البنت توأد خوفاً من العار، وابنة سيدنا “عمر” كان يجهز لها القبر بينما كانت هي تزيل له الغبار من لحيته. بالتأكيد أن والد العروس الآن “أم شمائل” قد ندم على ما فعله بها عند إلقائها في البئر، وبالتأكيد سيكون هناك شريط من الذكريات قد مر عليه وهو يتابع مجريات عقد قرانها، ويسأل نفسه كيف سيقابل ربه إذا كانت الطفلة قد ماتت آنذاك، كيف سيكون موقفه مع أهله وأسرته عندما تشيع الطفلة؟ كيف سيقابل الناس، كيف سينظر في وجوه القوم عندما تشير إليه الأصابع بأنه الرجل الذي ألقى بابنته في البئر. أسئلة كثيرة تدور بخلد الرجل ولكن رحمة الله قد حفظت البنت وأكرمتها بهذه الزيجة الطيبة، وربما تكون فتحاً لوالدها بنقله من البداوة إلى المدينة، كما حفظ المولى سيدنا “يوسف” وأصبح أميناً على خزائن مصر وجيء بأهله وإخوته من البداوة إلى المدينة.