تقارير

الـخيارات القادمة.. بقاء النظام تحت تهديد المتغيرات!

ما هي المآلات المتوقعة للأوضاع السياسية في السودان؟ هذا السؤال أصبح يراود كل متابع لمجريات الأحداث السياسية خاصة المراقبين منذ فترة، أما الأحزاب المعارضة فقد كان منها من يعتقد أن النظام ليس جاداً في موضوع الحوار والتوافق مع القوى السياسية والعسكرية ولهذا السبب كانت تتمسك بعضها بخيار إسقاط النظام عدا حزب الأمة القومي الذي ظل ينادي بالتغيير وليس الإسقاط ولهذا السبب تباعدت الشقة بينه وبين أحزاب التحالف في الفترة الأخيرة، لكن دعونا نسأل هل كان حزب المؤتمر الشعبي بزعامة دكتور «الترابي» يتفق مع خيار إسقاط النظام أم كان له خيارات تنظيمية أخرى؟
هناك ثمة مؤشرات صدرت في ورقة خاصة ليست للنشر أوائل العام الفائت كانت تدل على أن المؤتمر الشعبي له خيارات أخرى، والورقة جاءت تحت عنوان رؤية في تطور أحوال السودان وحدد مداها بعام وحصرت الخيارات الواردة بالنسبة لمآلات الأوضاع السياسية في ثلاثة احتمالات، الأول بقاء النظام الحالي واستمراره متمكناً في السلطة، والثاني كان احتمال قيام انقلاب عسكري أو ما اصطلح على تسميته بإسقاط النظام بالقوة، وذكر أنه من المستبعد حدوث ذلك وكان المبرر أن القوى السياسية ذاقت ويلات عاقبة الانقلابات العسكرية التي مهدت لها ودعمتها لذلك أصبحت تؤمن بحركة الدفع السياسي المسالم وسيلة لغاية بناء سلطان سياسي مسالم قائم على بسط الحرية والسلام للوطن.
الاحتمال الثالث كان اندلاع الثورة الشعبية. ونوهت الورقة إلى رجاحة هذا الاحتمال نسبة لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية. وفي السياق كان الأمين العام للمؤتمر الشعبي يبشر بهذا الخيار في كثير من لقاءاته بالإعلام ويذكر الناس بأكتوبر وانتفاضة أبريل لكن يبدو أن الحزب استدرك نتائج هذه الثورة التي ستندلع في ظروف وواقع مختلف لذلك ورد في الورقة استدراك قيل فيه (لكن الثورة الشعبية إذا التهب سعيرها لن تقتصر في السودان مثل ما كان في الأعوام 1964 – 1985 على العاصمة وحدها). وتوقعت أن يثير ذلك ثورة قومية في كل الأقاليم وإذا لم تستدرك النزاعات الإقليمية قد تجنح إلى تمزيق الوطن.
وبالنظر للاحتمال الأول وهو بقاء النظام الحالي متمكناً في السلطة مع إجراء مصالحات بدأت ملامحه تتبلور في الأفق. وذكرت الورقة أن هذا النظام قد يبقى لكن يسعى لتأمين بقائه بإجراءات تصالح أو تراضٍ مع قوى سياسية مؤثرة في المعارضة أو مع تلك التي تحمل السلاح وقد تظهر منه محاولات إنشاء مشروعات من المعالجات الضرورية تلطيفاً للأزمة السياسية والاقتصادية وقد يقوم بترتيبات أمنية حازمة وحملات إعلامية ذات وقع وتتخذ تدابير لدعم قوى الأمن وحصر الثغور التي قد تستغلها المعارضة ترهيباً وترغيباً لها، وبذلك يستطيع النظام أن يبطئ أو يوقف حركة التغيير ورغم أن الورقة رجحت حينها ضعف جدوى هذا الاحتمال لضآلة وقوع مصالحة الجزئية لضمان تثبيت النظام، وقالت إذا قدر الله أن يستمر النظام هكذا للعام القادم كله (والمقصود العام الحالي) ثم بأي ما دعوة إلى تدابير التراضي السياسي مع قوى المجتمع وتشكيلاته السياسية المعارضة بمبادرة من النظام أو رأسه استشعاراً لتزلزل أمرهم أو بمضاغطات عليهم أو مناصحة من جهة وطنية أو خارجية.. إذا جرى ذلك فإنه لا مجال أمام الحزب إلا المضي في اتخاذ الترتيبات اللازمة لمواجهته وتعبئة المعارضة لتستمر في ما ماضت عليه. وعلى ذات الصعيد سبق أن قال أحد قياديي (الشعبي) لـ(المجهر) إن هناك قرارا مجازا من قبل الأمانة العامة إذا تم التغيير داخل هذا النظام يمكنهم التخلي عن مسألة الإسقاط لأن المقصود هو تغيير النظام.
ويبدو أن هناك مستجدات حدثت أثناء اللقاءات التي تمت بين قيادة المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني خلال الفترة الماضية بعيداً عن أعين الإعلام أقنعت المؤتمر الشعبي بضرورة محاورة الوطني رغم التحفظات لخصها قيادي بالشعبي في المتغيرات المحلية والعالمية والإقليمية. وأشار بوضوح إلى النتائج التي آلت إليها الأوضاع في دول الربيع العربي وإلى ما حدث في دولة الجنوب الوليدة. كذلك القيادي بالمؤتمر الوطني «عباس الخضر» مضى في الاتجاه ذاته عندما قال إن ظروف البلد لا تحتمل خلافاً والإسلاميون اتعظوا مما تم في مصر وليبيا وتونس.
بناء على ذلك أصبح هناك مؤشر قوي الآن على أن الخيار الأول الذي ينص على أن النظام سيسعى لتأمين بقائه بإجراءات تصالح أو تراض مع قوى سياسية مؤثرة في المعارضة أو مع تلك التي تحمل السلاح قد بدأ تنزيله عملياً على أرض الواقع فالآن الحوار يتم مع قوى معارضة مؤثرة وهى المؤتمر الشعبي وحزب الأمة القومي والمبادرة طرحت من رأس النظام الرئيس «البشير» من خلال خطابه الشهير الذي اصطلح على تسمية محاوره بالوثبة، كذلك شرط المضاغطة جاء من الخارج وتمثل في ما ورد من قبل مجموعة الأزمات الدولية ومبعوث أمريكا الخاص للسودان «ريتشارد ليمان» الذي دعا إلى الحوار والمصالحة، وأعلن الخطوة المهمة الرئيس الأمريكي الأسبق الذي قال إن الرئيس «البشير» أكد له ذلك ورغم أن في خواتيم هذا الخيار قيل إذا أقدم النظام على المصالحة للمحافظة على بقائه ستواجهه المعارضة لكن ربما هناك جملة من المتغيرات قادت الى إسقاط ذلك من بينها الضغوط الخارجية والأخطاء الداخلية التي فرضت واقعاً جديداً ووفقاً لقيادي بالمؤتمر الشعبي الذي أكد (المجهر) أن المعوقات قد انزاحت سواءً كانت مواقف أو أفكارا أو أشخاصا وليس إقصاء حسب ما ذكر لكن تبدل أحوال وربما مواقع. ورهن مستقبل الحوار بالمتحاورين حينما قال: ما يفضي إليه الحوار محكوم بالمتحاورين. ولفت المصدر إلى أن هناك حراكاً كبيراً داخل السلطة وهذا مؤشر على أن الأمور تمضي في الاتجاه الصحيح أكثر من أي وقت مضى على ضوء المقدرة التي أبداها الأطراف في التعامل مع بعضهما البعض. وزاد (أتوقع أن يأتي هذا التغيير متدرجاً ويفضي إلى حكومة قومية انتقالية يقودها التكنوقراط تؤهل المؤسسات للانتخابات القادمة) مضيفاً أن مفهوم الحكومة القومية نفسه يحتاج إلى حوار. بينما أكد القيادي بالمؤتمر الوطني «عباس الخضر» في حديثه لـ(المجهر) أمس عدم وجود أي اتجاه لتكوين حكومة قومية أو انتقالية، مضيفاً أن هناك حكومة عريضة ذات برنامج عريض متفق عليه وأقرب الأحزاب إليها هي المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني والأمة القومي والاتحادي الديمقراطي (الأصل). وأشار الى أن قضية الحوار أتت ثمارها وتوقع أن يلتقي الرئيس «البشير» بالأمين العام للمؤتمر الشعبي دكتور «الترابي» قريباً في إطار اللقاءات التي جمعته برؤوساء حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي، و«الترابي» على استعداد لملاقاة «البشير» وهناك ود خفي بينهما وكل يحترم الآخر.
يذكر أن المؤتمر الوطني أول أمس قد أعلن موافقته على تشكيل حكومة قومية على لسان نائب رئيس الجمهورية فهل أصبح السودان قاب قوسين من الحكمة القومية أو الانتقالية وإن اختلفت المسميات قد يكون المقصود واحداً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية