مفاوضات الوطني مع المعارضة والحركات المسلحة.. هل يصلح الحوار ما أفسدته مكايدات السياسة؟؟
جولات حوارية محمومة، واستحقاقات تفاوضية ملحة تقودها قيادات المؤتمر الوطني خلال المرحلة القادمة مع كثير من القوى السياسية بالداخل والحركات المسلحة التي تنشط في أصقاع البلاد المختلفة.. وبدا أن العقلية الجديدة التي ينوي بها الحزب الحاكم خوض مرحلة الحوار القادمة، تختلف بشكل كبير للغاية عن الجولات الماضية والاتفاقات التي عقدها خلال الفترات السابقة سواء أكانت مع القوى السياسية أو مع الحركات المسلحة، لجهة أن كثيراً من المراقبين والمحللين جزموا بأن الفرصة الحالية للحوار تعد الفرصة الأخيرة لإخراج البلاد من أزماتها المتناسلة.
وفد الوطني سيعود مرة أخرى بعد أيام قلائل إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا للجلوس على طاولة الحوار مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بوفد يقوده مساعد رئيس الجمهورية بروفيسور «إبراهيم غندور»، الذي وصفه معارضو الحكومة بأنه رجل عفيف اللسان وذو وجه طلق، وهي سمات ربما تشير إلى ما تريده الحكومة في صفات رجالها بعد التغييرات الدستورية والبرلمانية الأخيرة. وبالداخل ينشط قيادات الوطني مثل د. «مصطفى عثمان إسماعيل» و»عباس الخضر» وغيرهما في محاولات متتابعة لتقريب وجهات النظر بين الحزب الحاكم والمعارضة، وتذويب حدة الخلافات المعلنة والظاهرة، بالإضافة إلى كثير من التحركات غير المعلنة من الحزب الحاكم، ربما آثر أن يجريها بعيداً عن أعين الإعلام وعدسات المصورين.
إذن يبدو أن نجاح جولات التفاوض ذات الاستحقاقات الملحة، هو أكثر ما يؤرق بال المؤتمر الوطني خلال الفترة الحالية لتحقيق مطلوبات دفع بها رئيس الجمهورية في خطاب الوثبة الأخير مثل السلام والهوية والاقتصاد والدستور.. ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً الآن هو: هل ينجح المؤتمر الوطني في مسعاه التحاوري، ويتجاوز كثيراً من المطبات والعراقيل التي قد تعصف بتلك الأماني في تقريب وجهات النظر بين فرقاء السياسة السودانية والحركات المسلحة؟ أم أن الأمر لا يعدو سوى محاولة لمزيد من كسب الوقت؟؟ وجاء الرد أمس من المحلل السياسي «عبد الله آدم خاطر» الذي تحدث لـ(المجهر) قائلاً إنه ليس من الضروري أن ينجح المؤتمر الوطني في التفاوض، ولكن المطلوب منه الآن هو فتح باب الحوار، لأن المواطن هو الذي يختار في النهاية الطريق القادم، مبيناً أنه لا يمكن التكهن بنتيجة الحوار، وواصل «خاطر»: (إذا كان المؤتمر الوطني أم لا، فإن البلد لن تعود إلى الخلف وستستمر الحياة به أو بدونه، لذا من الأفضل له أن يمضي إلى خيار التغيير عن طريق الحوار ويقبل بنتيجته حتى وإن أتت في غير صالحه، وأن يباشر طَرق منافذ حوارية جديدة مع القوى السياسية والقوى الفكرية، وفي النهاية سيكون الخيار للشعب السوداني، مبيناً في ذات الوقت أن الشعب لن يرضى بأسلوب المؤتمر الوطني الذي حكم به البلاد طوال ربع قرن من الزمان، وتابع: (قطعاً التغيير قادم ومن الممكن أن يتم بدون رضا المؤتمر الوطني وبدون رضا القوى السياسية أيضاً)، مشيراً إلى أن التغيير يمكن أن يتم عن طريق التراضي الوطني، كما يمكن أيضاً أن يتم عن طريق الانتفاضة أو من خلال الفوضى، وتدخل المجتمع الدولي من خلال المادة السابعة، مؤكداً أن الخيار المطلوب الآن هو التراضي، وفي حال تم طرحه من قبل المؤتمر الوطني فإنهم يجب أن يعرفوا أنه قد لا يأتي مثلما يرديدون.
{ عقبات الحوار
ثمة عقبات ظاهرة ومكتومة.. عقبات من الممكن أن تنسف الطريق الذي مضى فيه المؤتمر الوطني بخطوات واسعة سواء أكان مع القوى السياسية أو مع الحركات المسلحة. ولكن «خاطر» يرى أن أهم معوق لنجاح الحوار الآن هو تمسك الحزب الحاكم بالماضي واعتقادهم أن المكتسبات التي حققها الوطن مثل الاتصالات واستخراج البترول وغيرها تمنحهم مسوغاً للاستمرار في الحكم، وأضاف: (يجب أن يكون هناك تنازل واحترام للمستقبل ومن سيساهمون في إعادة بنائه).
{ تقارب مع الشعبي والأمة
تحركات المؤتمر الوطني الداخلية أنتجت قبول بعض الأحزاب ذات القواعد الجماهيرية العريضة بخوض جولة حوارية مع الحزب الحاكم خلال المرحلة القادمة.. أحزاب مثل الأمة القومي والمؤتمر الشعبي، كانت تنشط بقوة في صفوف المعارضة وتطالب بإسقاطه تماهياً مع ثورات الربيع العربي التي أحدثت تحولات سياسية واسعة في عدد من البلدان العربية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ولكن ثمة تغييرات دفعتهم إلى إعادة التفكير في كيفية التغيير مثل التغيير الناعم الذي بشر به حزب الأمة القومي من خلال طرح زعيمه «الصادق المهدي» لما سماه بـ(النظام الجديد)، وهو ما عبر عنه نائب رئيس الحزب اللواء «فضل الله برمة ناصر» الذي توقع أن يكون الحوار الوطني المزمع بالبلاد أعمق من تجارب الحوار الوطني التي شهدتها دول الربيع العربي، مشيراً إلى أن السودان لديه تجربة أنضج من تجارب (الربيع العربي) الذي أسقط الأنظمة، ولكن دون تقديم برنامج بديل، وهو ما أدى إلى المشكلات التي نراها في الوقت الراهن في تلك البلدان، وأبدى تفاؤله بالنتائج التي ستسفر عنه حال قيامه. ووصف خطاب رئيس الجمهورية، رئيس المؤتمر الوطني الأخير وإطلاقه الدعوة للحوار الوطني، وصفه بالدعوة الكريمة، مطلقاً في ذات الوقت عدة اشتراطات، رأى أنها ضرورية لإنجاح الحوار، منها تهيئة المناخ للحوار وبناء الثقة بين المؤتمر الوطني وبقية أحزاب المعارضة، وذلك بإصدار عفو عام عن المتمردين وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح للأحزاب بممارسة أنشطتها وسط قواعدها، بجانب السماح للصحف الموقوفة بالصدور مجدداً، كما دعا إلى (التمييز بين الحرية والفوضى) حتى يثق الجميع في جدية الدعوة للحوار.
وذات الآمال المرجوة من الخروج من عنق الأزمة السودانية عن طريق الحوار، بدا أنها تغذي أوردة المؤتمر الشعبي الذي تجاوز مراراته التاريخية مع المؤتمر الوطني، وما نتج عنها من خصومات طوال السنوات الماضية، وأعلن موافقته على الحوار مع الحزب الحاكم، ولكنه يضع في ذات الوقت في ذهنه نتائج ما تمخض عنه من حوارات سابقة لذات الحزب مع بعض القوى السياسية الأخرى، وإن كان الشعبي قد تقدم بقدمه تجاه الوطني إلا أنه يتبين تماماً موطئ القدم الأخرى استناداً إلى ما سماها بالحوارات غير المجدية للوطني مع الأحزاب الأخرى، مثلما أبلغ (المجهر) د. «كمال عمر» الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي أمس أن تلك الحوارات غير المجدية خلقت ربكة في المشهد السياسي بالبلاد، مضيفاً: (حتى نحن الذين قبلنا الحوار مع المؤتمر الوطني غير واثقين تماماً من أن يفضي الحوار إلى حل حقيقي لمشاكل البلاد، ولأن القضايا المطروحة هي قضايا حوار وليست قضايا افتراضية)، مشيراً إلى هناك بعض القوى السياسية التي تشكك في مصداقية المؤتمر الوطني، وأردف بأن البلد الآن تعيش أزمة حقيقية والمؤتمر الوطني في يده السلطة، وهو من يقود الحرب في مناطق السودان المختلفة، وهو من سيجيب عن الأسئلة وستظهر الأيام القادمة مدى جديته من عدمها.
وكشف «عمر» عن أن آلية الحوار هي التي تحكم أجندتهم الحوارية مع المؤتمر الوطني، وهي مطلوبات الحريات والسلام والهوية والاقتصاد كمقترح تقدم به المؤتمر الوطني، ومن الممكن إضافة أجندة أخرى تساهم في قضية الحوار، موضحاً أن الحوار ليس معنياً به حزب الأمة أو المؤتمر الشعبي، ولكنه يعني كل القوى السياسية.
وثمة أحاديث بدأت تترى مؤخراً عن قرب تباعد محتمل بين المؤتمر الشعبي وتحالف المعارضة الذي أبدل «كمال عمر» بالمهندس «صديق يوسف» في رئاسة لجنة الإعلام والتعبئة بالتحالف لأنه لا يستطيع أن يعبر عن قضايا التحالف بعد موافقة الشعبي على الحوار مع الوطني. لكن د. «كمال عمر» قطع بكلمات حاسمة بأنه ليست هناك جهة لديها الحق في عزل المؤتمر الشعبي عن قوى الإجماع الوطني، وأضاف: (يتم عزلنا عن التحالف عندما ننكص عن القضايا المتفق حولها)، وتابع: (لا الحكومة ولا المعارضة يستطيعان إقصاء المؤتمر الشعبي)، وأضاف: (نحن أسسنا فكرة التحالف ومنهجيته، ولم نكفر بالقضايا التي تربطنا به).