أخبار

(كعب عالي)..!!

ورد سؤال في امتحان الشهادة الابتدائية في العام 1989م يقول:
الكعب العالي:
1. يشوه المشي. 2. يشوه القدم. 3. يشوه المرأة. 4. كل ما ذكر صحيح.
وقد كانت إجابة الزميل الصحفي “عبد الوهاب موسى” آنذاك هي الإجابة الرابعة- أي أن كل ما ذكر صحيح!!
والذي جعل الصديق “عبد الوهاب” يروي لي هذه الحكاية حديثي أمامه بأنني سأكتب في زاويتي اليومية عن (الكعب العالي) فإذا به يصرخ: (ياه.. لقد تذكرت قصة امتحان الشهادة الابتدائية في عام 1989م..) التي حكاها على النحو الذي أشرنا إليه..!
ورغم أن قصة “عبد الوهاب” انتهت عند هذا الحد، لكنها لم تنته بالنسبة لي.. فقد راودني سؤال مهم حول ما إذا كانت إجابته صحيحة أم لا؟! فهل حقاً كل ما ذكر صحيح.. وأن الكعب العالي تشويه للقدم وللمشي وللمرأة؟! إذن لماذا ترتدي النساء الكعب العالي؟! ولماذا تصيبهن حمى شراء الكعوب العالية؟!
السؤال قد تجيب عنه السيدات والآنسات، فهو يعنيهن ويتعلق بأمر يخصهن وإن كان الرجال يرتدون أيضاً أحذية ذات كعب عالٍ لكنها على أية حال ليست بذاك العلو الذي ترتديه النساء، مما يعيد الكرة إلى ملعب (حواء) مرة أخرى، ويعيد طرح السؤال مجدداً.. لماذا تنحاز النساء للكعب العالي؟!
أظن أن الكعب العالي حلّ نسبياً مشكلة قصر القامة التي تعاني منها الكثيرات.. صحيح أنه (علو) متواضع لا يتعدى بوناً ضئيلاً من السنتيمترات لكنه يجعلهن أفضل طولاً.. ويجعلهن يشعرن (نفسياً) على الأقل أنهن لسن بالقصيرات!!
هذه الإجابة هي الشق البريء من السؤال.. حيث نعلم أن بعضهن يفضل الكعب العالي لأنه يحدث صوتاً أشبه بالقعقعة أو الطرقعة، وهذا يولد لديهن إحساساً إيقاعياً ربما يضفي عليهن أنوثة زائدة ولافتة للأنظار، وقد تنفعل بعض النساء أكثر بالكعب العالي وما يحدثه من صوت إيقاعي منتظم فيجعل الواحدة منهن تشعر وكأنها طاووس يختال على الأرض، مما يزيد من ثقتها بنفسها ويمنحها بعض القوة وثبات الخطى..!
والإجابة في الشق الثاني ليست إجابتي، وإنما سمعتها ذات مرة ضمن دردشة صريحة وبريئة، أبطالها من النساء، وقد أدهشتني يومها تلك الجرأة وعلى نحو جعلني أتحفظ أمامهن على مسألة (لفت النظر) هذه التي هي في الواقع لفت للسمع والنظر معاً طالما أن الكعب العالي يحدث ذاك الصوت العالي..!
عتابي الذي يشبه براءة الحديث الذي سمعته لم يجب عن سؤالي حول مدى صحت إجابة “عبد الوهاب” في الامتحان.. وقد قلت لنفسي طالما أن النساء ينظرن للكعب العالي بهذه الطريقة الإيجابية، فهذا يعني أن إجابة “عبد الوهاب” خطأ.. فالكعب العالي لا يشوه القدم ولا المشي ولا المرأة..!
غير أن دراسة وقعت مؤخراً في يدي أكدت صحة نصف ما ذهب إليه “عبد الوهاب”.. الدراسة تقول إن الكعب العالي بالفعل يشوه القدم ويشوه طريقة المشي.. لكن الدراسة سكتت عن أن الكعب العالي يشوه المرأة.. وهذا أيضاً قد يجعل إجابة الامتحان خاطئة.. لأنه ليس كل ما ذكر صحيح.. وإنما نصفه فقط.. أي الإجابة الأولى والثانية..!
لكنني اعتبرت أخيراً أن إجابة “عبد الوهاب” صحيحة بالكامل ودون نقصان، طالما أنه ثبت علمياً أن الكعب العالي يشوه القدم ويشوه المشي.. لأنه يعني ضمناً تشويه المرأة أيضاً.. فالقدم جزء مهم من المرأة والإنسان عموماً، والمشي أداء حركي مهم أيضاً وكلاهما حين يتشوه بالضرورة أن يتشوه الكل، أي المرأة بكاملها..!
وبعيداً من سؤال الامتحان، فالواضح أن (الكعب العالي) يجد حفاوة مبالغاً فيها.. فمعظم أحذية النساء المعروضة في الأسواق تنحاز للكعب العالي.. وآخر صيحات الموضة بكعب عالٍ.. وهناك فيلم أو أكثر عنوانه (الكعب العالي)..!
وفي ذات عام أجرت دولة أوروبية مسابقة للكعب العالي شاركت فيها مجموعة كبيرة من النساء، وكان يتوجب عليهن (الجري) بهذا الكعب العالي للفوز بجائزة دولارية معتبرة.. وقد كان، حيث وجدت المسابقة مشاركة واسعة وتفاعلاً كبيراً وتصدرت أخبار الصحف ووكالات الأنباء والفضائيات..!
إذن الحقائق العلمية لم تستطع أن تؤثر على الكعب العالي.. وأسئلة الامتحانات التي بموجبها يكون المرور أو السقوط لم تلفح في تأسيس ثقافة أخرى تتقاطع مع الكعب العالي.. غير أن انكسار الكعب العالي هو الصدمة الوحيدة التي يمكن أن تقلب الموازنة.. فمعظمنا شاهد امرأة تسقط، بل وتتدحرج بعد أن ينكسر الكعب العالي لحذاء القدم اليمني أو اليسرى.. وهو مشهد مؤلم ولا يدعو للفرح.. لكنه على أية حال قد يجعل النساء أكثر حذراً من هذا (الكعب العالي).. ولا نعرف كم واحدة ممن شاركن في المسابقة العالمية قد انكسر كعبها العالي.. وكم كان عدد الإصابات.. فهذا كله كان محجوباً عن أعين الصحفيين والمراقبين الذين شاهدوا فقط الفائزات يتسلمن (الدولارات) بعد أن شاركن في ماراثون الجري وهن يرتدين الكعوب العالية.. هل من مساحة أخرى لأحكي لكم عن الواقع والأفلام معاً، حيث نشاهد أحياناً امرأة تخلع حذاءها المصنوع بكعب عالٍ وهي تنهال به على رأس رجل ما.. كم كانت هذه الضربة مؤلمة وموجعة.. لكنها قصة أخرى ليس هذا أوانها..!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية