ولنا رأي

رحلتي إلى مصر!! (1)

فُتن معظم السودانيين بمصر ومصر بلد التاريخ والحضارة والعلم، وكل من أراد زيادة في المعرفة كان يلجأ لما تكتبه مصر من صحافة وكتاب أمثال “المازني”، “العقاد”، “طه حسين”، توفيق الحكيم”، وحتى الأجيال المتعاقبة كانت تجد كثيراً من اهتمام السودانيين على مستوى الكُتاب الكبار أو المتوسطين. ومازالت مصر بلد المعرفة فلجأ إليها عدد كبير من السودانيين لنهل العلم من مؤسساتها التعليمية العريقة كالأزهر الشريف، ودار العلوم، وجامعة القاهرة إضافة إلى جامعات المحافظات والمدن المختلفة كالإسكندرية، والزقازيق، وأسيوط، وشبين الكوم، والمنوفية، وطنطا وغيرها من الجامعات التي التحق بها السودانيون.
وأذكر عندما بدأت جاداً في الالتحاق بالجامعات المصرية.. وقتها السفر إلى مصر لم يكن مكلفاً، فتذكرة القطار من الخرطوم إلى حلفا لا تتعدى الجنيهات، وكذلك ثمن تذكرة الباخرة من حلفا إلى أسوان ومن أسوان إلى داخل المدينة في مصر. تحرك بنا القطار من محطة السكة الحديد بالخرطوم التي بدأ العمل في تجديدها الآن في منتصف النهار.. ووصلنا إلى مدينة حلفا تلك المدينة الهادئة الوادعة نهار اليوم التالي.
الباخرة وقتها لم تكن مخصصة للطلبة، ولكن هناك خلق من البشر تجار وبعض المواطنين القاصدين العلاج والراغبين في النزهة. لم نكن ضمن المحظوظين عندما صعدنا الباخرة الرئيسية ولذلك وجهنا للصعود للصنادل، وهي أشبه بالقوارب الكبيرة تلحق بالباخرة الرئيسية، وأصلاً لم تكن مخصصة لنقل البشر، فكانت الصنادل مخصصة لنقل الماشية إلى جمهورية مصر العربية. لم نهتم كثيراً بالمكان بقدر ما سعدنا أننا وجدنا مكاناً في الباخرة المغادرة، لأن كمية المسافرين كانت كبيرة وربما يتأخر البعض عن السفرية بسبب زيادة المسافرين.
أبحرت بنا الباخرة عند المساء وسارت بهدوء ولكن لم نتوقع أن هذا الهدوء سيؤدي إلى كارثة في النهاية، فبعد منتصف الليل تقريباً والناس نيام بدأت حركة الصندل تزداد هبوطاً وصعوداً بسبب تلاطم المياه، فاستيقظ المسافرون بسبب تلك الحركة العنيفة، فنادى البعض المسؤولين أو المشرفين على السفرية، ولكن جاءت تضميناتهم أن الحركة عادية وأن الصندل مربوط بالباخرة الرئيسية بصورة جيدة وليس هناك شيء يدعو للخوف أو القلق. ونزل المسؤول إلى داخل الصندل حتى يحس المسافرون باطمئنان أكثر ثم غادر المكان. بعد ذلك غمض المسافرون ولكن عاودت المياه هز الصندل بصورة أعنف فاستيقظ الجميع فزعين، ولسوء الحظ أن باب الصندل كان مربوطاً بحبال فزاد من خوفنا أكثر، ثم بدأت الأمواج العاتية ترفع الصندل إلى أعلى ومرة إلى أسفل، وازداد الاضطراب حتى جاءت اللحظة الأخيرة، فانفصل الصندل عن الباخرة الرئيسية. وهنا ارتفعت درجة الخوف أكثر لأن الصندل بدأ يبحر في اتجاهات غير معلومة وبدأ الصياح والتشهد، ولكن كان هناك رجل ربما عركته التجارب فبدأ في تهدئة المسافرين وطالبهم بالجلوس جميعاً في مكان واحد. وبالفعل استجاب الجميع وأبحر الصندل بصورة منتظمة حتى لحقت الباخرة الرئيسية به وأعيد ربطه من جديد وكتب للناس عمر جديد.
نواصل الأسبوع القادم

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية