أي أبناء هؤلاء!
ما يميز الشعب السوداني التعاضد والتعاطف والتراحم.. ونادراً ما نجد هناك شعب يشبه الشعب السوداني في عاداته وتقاليده حتى في كرمه وضيافته للغير أو لبني جلدتهم، فالضيف يجد كل احترام وتقدير. وفي الولايات تذبح الذبائح ويتباهى الجميع بهذا الضيف، ويفوق الكرم حد الوصف حتى يظل الكرم عالقاً بذهن الضيف طوال حياته.
العادات السمحة والجميلة بدأت في التراجع، والمواطن السوداني لم يصبح مواطن الأمس. وهذا لا ينطبق على الجميع ولكن ظروف الحياة جعلت كل شيء جميل يتلاشى أو يكاد. ولفت نظري الأيام الماضية التصريحات أو الأحاديث التي تتحدث عن قلة من أبناء المجتمع، ضاقوا ذرعاً بوالديهم أم أوأب، وبدأوا يلحقونهم بدور للعجزة وهذه واحدة من الظواهر السالبة أو الدخيلة على المجتمع السوداني. لا ندري من أين أتى بها هؤلاء؟! وهل سهر الليالي والحياة الرغدة التي كان يعيشها الأبناء، والتي توفرت لهم بفضل هؤلاء العجزة أو المسنين الآن تقابل بهذه الطريقة. هل أصبح المواطن السوداني أشبه بالمواطن الغربي الذي يبدأ حياته منفصلاً عن والديه بعد سن السابعة أو الثامنة عشر، وبعد أن يصل الأبناء إلى السن المتقدمة يتخلصون منهما بإلحاقهما بدور المسنين.
المسنون كانوا ملء السمع والبصر وكانوا عندما يستقبلون مولوداً جديداً يكادوا أن يطيروا من الفرح، كانوا يذهبون إلى الشؤون المالية لاستلاف مبلغ (سماية) القادم الجديد، كانوا يسهرون الليالي إذا أصيب الطفل بأي مكروه فيبحثون عن الدواء والعلاج، ولو كلفهم أن يبيعوا ملابسهم في سبيل أن تعود الصحة والعافية لهذا الطفل. كانوا يوفرون المبالغ المالية لإلحاق الطفل بأفضل دور تعليم، وعندما تبدأ الامتحانات يعيشون في حالة من الاضطراب النفسي والخوف عليه إذا فشل في الامتحان، وحتى إذا وفق وأكمل تعليمه بنجاح وبدأ في مسلسل البحث عن العمل، يبدأ هؤلاء المسنون في طرق كل الأبواب لإيجاد وظيفة لهذا الولد أو البنت التي أو الذي ضاق اليوم ذرعاً بهما، بعد أن حصلوا على المال الوفير والوظيفة العالية ولم يعجبهم حالهم بعد أن أصبحوا مسنين. وما في حد فاضي لرعايتهم ومن الأولى أن يحلقوا بدور العجزة التي لم تشبه السودانيين، ثم يغادر الابن أو البنت إلى مكان عمله في دولة عربية أو أوروبية، فإذا ظن أولئك الأبناء أن المال كل شيء وأن الآباء والأمهات الذين وصلوا إلى هذه المرحلة من العمر، لو عاد هؤلاء الأبناء بذاكرتهم للوراء فإن لحظة المخاض وحدها لا تساوي مال الدنيا كله لو أنفقوه على هؤلاء الذين أصبحوا مسنين أو عجزة. أما حديث الولاية بتوزيع المسنين على دور العبادة فيه استخفاف بهم وبالدور الذي لعبوه عندما كانوا في عافيتهم، فيجب على الولاية إذا أرادت أن تحفظ كرامة هؤلاء العجزة أو المسنين أن توفر البديل المناسب لهم. وحتى إذا تم توزيعهم على دور العبادة من الذي يرعاهم ومن الذي يقوم بخدمتهم؟
فإذا كان هناك كفلاء للأيتام وناس يقومون بتبني أطفال (المايقوما)، فهؤلاء المسنون أيضاً أولى بالرعاية فقد كانوا محترمين في صباهم وفي شبابهم.