ذكريات بالقضائية!!
انقطعت صلتي بالسلطة القضائية منذ فترة طويلة وربما لم أدخل القضائية طوال فترة مولانا “جلال الدين محمد عثمان” رئيس القضاء الأسبق، ليس لأي سبب من الأسباب ولكن القضائية والنائب العام كانت من الدوائر التي كنت مكلفاً بتغطيتها خلال فترة الديمقراطية الثالثة وما بعدها بقليل. وعلى الرغم من أن الهيئة القضائية لم تكن مثل النائب العام من حيث تدفق المعلومات والأخبار، إذ أن النائب العام كان من مصادر الأخبار إبان تلك الفترة، خاصة فترة مولانا “عمر عبد العاطي” النائب العام في الفترة الانتقالية. فالمحاكم التي شكلت آنذاك للمتهمين مثل قضية “بهاء الدين محمد إدريس” وزير رئاسة الجمهورية ومحكمة مدبري مايو ومحكمة (الفلاشا)، فكانت تلك من المحاكم الكبيرة التي شهدتها الفترة الانتقالية، وربما نال بعض القانونيين درجتي الماجستير أو الدكتوراة عنها .
نعود إلى السلطة القضائية والتي قصدتها بالأمس(الخميس) بناءً على طلب كان من مولانا “محمد حمد أبو سن” رئيس القضاء الحالي، وإن لم يكن الطلب مباشرة ولكن كان عبر خطاب منه. كنا قد تناولنا بعض السلبيات في قضايا الأراضي وفقد بعض المواطنين لحقوقهم بسبب الغش والخداع، فطلب مولانا مده بالقضايا التي تحدثنا عنها في هذه الزاوية قبل فترة . ذهبت ومعي عدد من القضايا التي خضع أصحابها خاصة في أراضٍ زورت أوراقها وبيعت لآخرين.
دخلت مكتب مولانا “أبو سن” وكأنني أدخل لاستقاء بعض المعلومات عندما كان مولانا “محمد ميرغني مبروك” رحمة الله عليه رئيس القضاء في الديمقراطية الثالثة، فما أن دخلت على السكرتارية وجدت الأستاذة “نوال” سكرتيرة رؤساء القضاء الأسبق منذ مولانا”محمد ميرغني” و”جلال علي لطفي” و”جلال الدين محمد عثمان” والآن مولانا “أبو سن”. كانت هي نوال السكرتيرة الهادئة التي دائماً تصاب ببعض التوتر عندما تشاهد الصحفيين خوفاً من تسرب أي معلومات تحسب عليها، ولكنها تمتاز بالبساطة واللطف والظرف. استغربت لوجودي وقد غبت فترة من الزمن، إلا أنني أوضحت لها أن خطاباً من رئيس القضاء رئيس المحكمة العليا قد وصلني منه بغرض مده بملفات القضايا التي أشرنا إليها.
وأنا مع السكرتيرة “نوال” رجعت إلى عشرات السنين للوراء ألتفت يميناً وكأني أشاهد مولانا “مهدي محمد أحمد” نائب رئيس القضاء رحمة الله عليه، وأنظر إلى الخارج وأنظر وكأني أشاهد مولانا “عبد المنعم الزين النحاس” نائب رئيس القضاء الأسبق. وفي الممرات وعند كل باب مكتب وكأنني أرى “رباب أبو قصيصة” أو مولانا “أحمد البشير” و”دفع الله الرضي” ودكتورة “توحيدة”، ومولانا “محمد محمود أبو قصيصة”. وأنظر إلى قاعات المحاكم وكأنني أشاهد مولانا “صباحي” قاضي محكمة “بهاء الدين”. وأنظر إلى المعركة الدائرة بين مولانا “سبدرات” و”محمود أبكم” رئيس هيئة الاتهام، ومولانا “عبد العزيز شدو” صاحب النظارة الطابقين والتي كانت نظارة ملفتة لكل المتابعين لقضية (الفلاشا) أو مدبري انقلاب مايو. وفي مدخل مولانا رئيس القضاء كان الساعي و”د المهدي” صاحب الجلباب الأبيض والعمامة النظيفة، وكأنه يسألني عما يجري في الساحة السياسية. كان مثقفاً ومولعاً بالسياسة رغم أن القضاء ليس فيه سياسة.