"المهدي" والخروج من المأزق
وضع الإمام “المهدي” شروطاً لقيادة تحالف المعارضة مجدداً مطالباً بإعادة هيكلته، وتحويله لنظام رئاسي يوازن بين اللامركزية والفيدرالية. وأن يكون ذا توجه إسلامي يضع حداً للعلاقة بين الدين والدولة، ويساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات. وأن يبنى على المشاركة لا المغالبة ونفى وجود تحالفات لديه لإسقاط النظام.
منذ عشرين عاماً و”الصادق” يردد هذا الكلام ويطرح المبادرات ويضع الشروط ويهدد أحياناً بإشعال انتفاضة تطيح بالنظام، ولكننا لا نرى شيئاً على الأرض. لا لأنه يخشى الاصطدام بالسلطة ولكن لأنه يعلم أن هذا الصدام سيطيح به أيضاً. قد أصر أن يعرف ملامح النظام القادم خاصة وأنه سيرفع شعاراً يرفض التوجه الإسلامي. وستكون الأوضاع لدينا كالأوضاع بمصر. رفض للإسلاميين وعدم طرح بديل مقنع للجماهير، والوقوف في مربع الحيرة.
ليت “الصادق المهدي” طرح مبادرة واضحة المعالم لنظام يرث هذا الوضع ويكون مقبولاً من جميع الأطراف، واضعاً في اعتباره أن السودانيين لن يقفوا مع نظام يعادي الإسلام. وليت مبادرته تكون مفصلة لا غموض فيها وتجيب عن كل الأسئلة في الرءوس.
الوضع الآن يقوم على النظام الرئاسي فهل “الصادق” مع هذا الوضع، حتى في حالة تطبيق الديمقراطية التعددية. وما هي الضمانات أن مثل هذا الوضع لن يتحول إلى دكتاتورية صريحة تقوم على الغلبة والقهر. وليت “الصادق” يقول لنا كيف يمكن إقامة انتخابات حرة ونزيهة في ظل هيمنة المؤتمر الوطني. ذلك لن يتم إلا إذا تولى “المهدي” السلطة وبدأ في تطبيق آرائه، شريطة أن يكون توليها بعد تقديم برنامج لمرحلة انتقالية بعدها يقام نظام تعددي. ولا أعرف لماذا يتهرب “الصادق” من تولي منصب رئيس الوزراء الذي عرض عليه. نستطيع أن نخمن السبب في أنه لا يود أن يكون مسانداً لنظام ديكتاتوري. وهذا أمر يمكن معالجته بتقديم برنامج لحكم انتقالي ينال عليه تأييد كل أحزاب المعارضة.
لا أظن المؤتمر الوطني سيعترض على خطة إحلال الديمقراطية بعد فترة انتقالية لا تتجاوز العام، وتبدأ بإطلاق الحريات العامة وعدم التراجع عنها مهما كانت الخسائر. وهذه الحريات تبدأ بحرية التعبير وتظهر من خلال السماح للأحزاب بإصدار الصحف. المشكلة كل المشكلة أن “الصادق” لا يريد أن يوصف بأنه ساند نظاماً دكتاتورياً، مع أنه أيد الاتحاد الاشتراكي أيام “نميري” وقبل عضويته على أنه سيعمل على تغييره.
لماذا لا يشرك “الصادق” كل الشعب السوداني في برنامجه والنقاش الذي يسبق إقراره. ولماذا لا يأخذ من الحكومة تعهداً بعدم الاعتراض على أي فقرة في برنامجه وخاصة الحريات. لو فعل “الصادق” هذا لوجد التأييد من كل الأحزاب، لأنه سيتيح للمرة الأولى العمل في ضوء الشمس وممارسة الحياة السياسية مثل كل التنظيمات في العالم. ولماذا لا يشهدنا على شروطه بحيث نكون في صفه لو تراجعت السلطة عن أي بند فيها. تخوفات “المهدي” ليس لها وجود لو قدم برنامجاً واضحاً محدداً بفترة زمنية محددة.
إن هذا البرنامج الانتقالي هو لخروجه من المأزق ويرفع عنه الحرج الذي يحسه والذي يصوره كمساند لحكم دكتاتوري، لأن هذا البرنامج سيتيح لكل الأحزاب العمل في ضوء الشمس بما فيها الحزب الشيوعي، وسيعرف الناس جدية “المهدي” من خلال ضربة البداية التي ستكون حرية التعبير، فمتى ما لاحظ الناس أن الجميع يعبرون في حرية، تأكدوا أن الديمقراطية حقيقية وأن الحكومة لا تخشاها. وتكون الكرة بعد ذلك في ملعب الحكومة لتقرر هل تستمر في خط الأحزاب أم تسمح لها بممارسة نشاطها في حرية. وما أظنها ترفض حلاً يعيد للبلد السلام والأمان، ولسحب البساط من تحت أقدام الحركات المسلحة.
> سؤال غير خبيث
هل ستتوحد كل أحزاب الأمة إذا تولى الحزب السلطة؟