ولنا رأي

صدق وأمانة الشعب السوداني!!

في عام 1981م ونحن طلبة بـ(كلية الإعلام) جامعة (الأزهر)، كان الدكتور “عبد الحليم محمود” عميد الكلية الذي خلف الدكتور “إبراهيم إمام” مؤسس قسم الإعلام بـ(الأزهر) وبـ(جامعة أم درمان الإسلامية) كان دكتور “عبد الحليم” فخوراً بالشعب السوداني الذي أحدث تغييراً في نظام الحكم عبر الثورة الشعبية في أكتوبر 1964م، كان دكتور “عبد الحليم” يتحدث لطلبة الكلية ونحن بالسنة الثانية تقريباً، عن التغيير في الوطن العربي، وقال إن الشعب السوداني قاد ثورة شعبية أدت إلى التغيير بدون إراقة دماء ما عدا استشهاد الطالب “أحمد القرشي طه” الطالب بـ(جامعة الخرطوم) مع عدد من الطلبة.
الشعب السوداني كان محل فخر لدى الشعوب العربية ليس في تغيير الأنظمة وإنما في أمانته وصدقه وكرمه وعلاقاته الاجتماعية، في كل بلاد العالم ينظر إليه باعتباره نسيج نفسه إذا استأمنته لم يخن الأمانة وإذا صادقته تفخر بأنك قد صادقت شخصية نادرة قل أن تجدها في العالم.
عندما اندلعت حرب الخليج الثانية ودخل “صدام حسين” الكويت وبدأ يزحف لدخول المملكة العربية السعودية.. كانت أمانة السودانيين بالقصور الملكية زادت من رصيدهم لدى الحكام والأمراء، وعندما كانت مواقف الحكومة بخلاف تلك الدول رفض الحكام إنهاء خدمات العمالة السودانية الموجودة هناك لصدقهم وأمانتهم. اليوم نتحسر على الشعب السوداني صاحب الأمانة والصدق، كيف يسطو على ممتلكات الغير، كيف ينهب أموال الشعب ويستغل الظروف التي مرت بها البلاد الأيام الماضية والتي خرج فيها المواطنون ليعبروا عن غضبهم نتيجة للزيادات التي أرهقت كاهلهم بسبب رفع الدعم عن المحروقات، ولم تكن الاحتجاجات بالطريقة التي عُرف بها الشعب السوداني وضرب بها الدكتور “عبد الحليم محمود” عميد كلية الإعلام بالأزهر المثل في التعبير المثالي، ولكن انحرف هذا التعبير هذه المرة وأخذ منحنى آخر بترويع المواطنين الآمنين في مساكنهم، لقد زرعوا الخوف في نفوس الأطفال والنساء والعجزة، لقد أُصيب الأطفال بالهلع والخوف جراء تلك الأحداث حينما قيل أن هناك عصابات تستهدف مساكن المواطنين بالقتل والسلب والنهب.. خاف الأطفال أن يذهبوا إلى الحمامات ليلاً من تلك العصابات التي روج لها.
إن الأحداث التي وقعت يومي (الثلاثاء والأربعاء) الماضيين تذكرنا يوم (الاثنين) الأسود الذي توفى فيه الدكتور “جون قرنق”.. لقد كان فعلاً يوماً أسود لم يشهده المواطن السوداني طوال حياته لا في التغيير الذي جرى في أكتوبر 1964م أو أبريل 1985م أو المحاولة التي قيل عنها مرتزقة عندما غزت (الجبهة الوطنية) العاصمة أم درمان واتهم السودانيون الغازون بأنهم مرتزقة.
إن السلوك الذي شهدناه يومي (الثلاثاء والأربعاء) لم يشبه سلوك السودانيين، كان بالإمكان أن تتغير الأمور لو خرج الناس كما كانوا يخرجون معبرين عن غضبهم بسبب الزيادات.
لقد حدث خراب ودمار لممتلكات المواطنين، وكان بإمكان الأجهزة الشرطية أن تحرس محطات الخدمة البترولية بمجرد حرق محطة واحدة، ولكنها لم تتعامل مع الحدث كما ينبغي، وإلا لكانت الخسائر أقل.. حتى الآن لم نعرف لماذا لم تتدخل الأجهزة الشرطية من أول وهلة لحماية ممتلكات الشعب؟ لماذا تركت المحتجين يقضون على أموال الشعب بهذه الطريقة الهمجية واللا مسؤولة؟، لقد تكرر نفس سيناريو يوم (الاثنين) الأسود يومي (الثلاثاء والأربعاء)، فهل نأخذ العظات والعبر من هذه الأيام في المستقبل بالتدخل السريع لحماية المواطن وممتلكاته؟!!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية