أخبار

أما بعد

} ثورات وانتفاضات الربيع العربي ومظاهرات المدن والمناطق واحتجاجات العمال في تونس ومصر وتركيا رغم التحولات السياسية التي أحدثتها تلك الحشود على النحو المعلوم، فإننا لم نرَ فيها صوراً تشي بقدر من الدمار أو التخريب والقتل، وحتى في مصر العميقة وعقب إسقاط حكم الإخوان المسلمين بالانقلاب، ورغم كل ما حاق بهم فلم نرَ إلا مشاهد حضارية للاحتجاج لم تتجاوز رفع شعار (رابعة) والسير لمسافات طويلة في الأمسيات بين طرقات المدن والساحات.
} في السودان والخرطوم فإن محصلة يومين من أعمال الشغب والتخريب عقب إعلان الإجراءات الاقتصادية الأخيرة تبدو وكأنها مغايرة لاعتزازنا كسودانيين بأننا شعب متميز ومثقف، فما شهدناه من أعمال حرق وتخريب لممتلكات خاصة وأنشطة عنف وسرقة، التي لا تزال آثارها باقية ولن تزول وحجم الدماء والأرواح المهدرة في هذه الأحداث كلها طرقات إنذار وملاحظات حمراء يجب التوقف عندها ومراجعة مؤشراتها بشكل رصين لأن ما جرى يوحى بأن أيما تصادم قادم لأيما نزاع أو اختلاف في وجهات النظر سيحيل البلد إلى انفجار دامٍ لا تماسك بعده.
} لفت نظري في الأحداث الأخيرة أن الفئة العمرية الناشطة فيها وأتحدث عنها عن عناصر المحتجين من أبناء الأحياء والمناطق أعمارهم (كمتاشر) ولا يشمل ذلك العناصر المخربة التي بشهادة كثيرين (شهود عيان من أمبدة الراشدين مثلاً) أتت من خارج الحي، الفئة العمرية التي أحرقت (لساتك) صحيح، وربما قصفت المارة بالحجارة لكنها لم تتجاوز ذلك هذه الفئة لم يتم التواصل معها سواء من رموز الحي أو ممثلي الأحزاب التي وضح أنها بما فيها الحزب الحاكم لا وجود لها، لم تتم أي محاولة إرشاد ونصح وتوجيه لما يمكن تسميته بعقلنة تلك الاحتجاجات لضبطها في مسار موضوعي يجنبها الانزلاق إلى حالة من الفوضى التي أضرت بالجميع بدليل أن ذات المتظاهرين حينما عادوا إلى بيوتهم لم يجدوا أكلاً ولا شراباً، والأهم والأكثر ألماً فقدان بعض الأرواح التي قتلت.
} في آخر تطورات الأزمة انتبه هؤلاء الصبيان أن للأمر انحرافات اضطرتهم هم ذاتهم لتوجيه حجارتهم وعصيهم لحماية حاراتهم من هجمات متوقعة مما يسمى بعصابات (النيقرز) أو أي جهات أخرى بدأت في النشاط بشكل شكل خطراً على سلامة الجميع وليس الحكومة فكان أن انتشر شباب الأحياء في حارات الثورات وأمبدات منصرفين عن طرقات الأسفلت والتقاطعات إلى داخل الأحياء لحماية أسرهم وأرواح آبائهم من مهددات محتملة تجاوزت بالجميع مبتدأ المشكلة نفسها !!
} النخب الواعية والقيادات في المستويات القاعدية، دينية وسياسية ورموز محلية يبدو أنها تعيش قطيعة مع تلك الأجيال، ولا تواصل يمكن التواصي عبره بمحددات خطاب معين يصلح لأن يكون موجها للناس في حالات الأزمات ولا أقول لا سمح الله أن يكون هؤلاء ناطقين باسم الحكومة وحزبها ولكن أقول إن يكونوا ناصحين بالحق ومرشدين ولو فعلوا لكان الحريق أخف ولكانت الاحتجاجات مثمرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية