لماذا انعدم الضمير عندنا؟!
انعدم الضمير الإنساني، وأصبح المواطن لا يهمه أن يأكل حلالاً أم حراماً، وانعدمت الأمانة التي اشتهر بها أهل السودان، فاليوم لا تجد أميناً واحداً بين آلاف. حدثتني إحدى النساء عن زميلتها التي اشترت ركشة للمساعدة في مصاريف البيت، فاستأجرتها لأحد الشباب على أن يمنحها يومياً مبلغاً محدداً، وبدأ الشاب يقدم للسيدة مبلغاً زهيداً نظير عمله بالركشة، وبعد فترة من الزمن اكتشفت السيدة أن الشاب قد باع الركشة بدون علمها، وبدأت جرجرة المحاكم. وكذلك القصة التي رواها أحد المواطنين حينما سلم أحد السماسرة كتيباً خاصاً بالقرعة السكنية ولظروف قاهرة جعلته خارج الولاية، لم يتسنَّ له متابعة الخطة الإسكانية، وبعد فترة من الزمن اكتشف أن السمسار استلم القطعة بأوراق ثبوتية مزورة، ومن ثم باعها، وعندما حضر صاحب القطعة بدأ الجري وراء المحاكم، ولم يجنِ إلا السراب، وبحجة التقادم تم شطب القضية.. لا ندري كيف تحكم المحاكم بشطب قضية واضحة المعالم؟ بينما الحرامية واللصوص يتعدون على حقوق الغير بلا رادع وكثير من المواطنين فقدوا حقوقهم في الأرض إن كان خطة إسكانية أو بالشراء بمال حر وأصبح التزوير على (قفا) من يشيل بلا رادع أو واعز ضميري.. الآن من الصعب جداً أن تثق في أي شخص حتى ولو كان هذا الشخص أخاك أو أباك، حتى الأصدقاء أصبحوا بدون ثقة، فلا ندري ما الذي حدث لهذا المجتمع الذي كان في قمة الصدق والأمانة، وحتى في ديار الغربة كان الشخص الوحيد الذي يُوثق فيه هو المواطن السوداني، لا أعتقد أن تلك الثقة ما زالت متوفرة.
لم يقتصر الصدق والأمانة على أولئك البسطاء أو حتى المتعلمين، ولكن حتى الأطباء ومراكز الفحص والتشخيص، وما جاء في “شهادتي لله” أمس يقشعر له البدن، فلن يصدق أحد أن مثل هذا التشخيص الخاطئ يحدث عندنا، ونحن المشهود لنا بالتميز في الطب وفي مراكزنا الطبية، وهذا لن يكون الأول بل هناك عشرات الأخطاء مثلها، فأذكر أن ابنة شقيقتي دخلت برجليها العملية لاستئصال الزائدة الدودية ولكنها فارقت الحياة، واعترف مخدر العملية بأنه منحها جرعة بنج زائدة، وامرأة أخرى لم تغب عن عيننا دقائق حينما دخلت العملية وهي في كامل صحتها والجراح من كبار الأطباء وقبل أن يكمل العملية فارقت الحياة، صحيح الأعمار بيد الله ولكل أجل كتاب، ولكن ما يحدث في السودان لو حدث خارجه لن يترك الطبيب، فاسألوا الأطباء الذين عملوا بالمملكة العربية السعودية، وكيف كانت معاملتهم إذا مات مريض بأخطاء طبية؟.. ربما يقول طبيب أو آخر للقاعدة شواذ، صحيح ولكن هناك إهمال أيضاً، ويجب ألا ندفن رؤوسنا في التراب.
إن غياب الضمير الإنساني أصبح في كل شيء، والآن وقبل أن يحدث للاقتصاد السوداني شيء في ظل الشائعات التي لم تكن حقيقية انظروا إلى جشع التجار، الأرفف مليئة بالمواد الغذائية فتضاعف ثمنها، وهي في مكانها والعلة أن الدولار زائد، طيب ضع السلعة التي اشتريتها في ظل ارتفاع الدولار وبيعها بالمبلغ الجديد، وقول للمواطن هذه السلعة نفسها ولكن هذه سعرها كذا وهذه سعرها كذا.. فالسوق الآن بلا ضمير وبلا وازع، الكل يريد أن يصبح بين يوم وليلة من الأغنياء أو الأثرياء. .أما موظفو الدولة فكل من له معاملة معهم فيرى العجب العجاب، وليس من السهل انتهاء معاملتك ما لم يكن هناك (احِم) وعلى قول المصريين الحلاوة أو البقشيش، ويا له من بكشيش، واسألوا المستثمرين الأجانب لماذا هربوا من السودان؟!
الانفلات أصبح في كل شيء، ومرض الضمير عم الكل وليس من السهل إصلاحه في ظل شراهة الغنى والثراء والفساد.