كيف نشأت الحركة الإسلامية بالمهدية (8)
نشأة الحركة الإسلامية لم تكن مرتبطة بمنطقة معينة، أو جامعة محددة، أو قرية في أقاصي البلاد، ولكن الحركة الإسلامية التي انطلقت بداياتها في أربعينيات القرن الماضي، من شخصيات كل وضع سهمه فيها أمثال “علي طالب الله” والأستاذ “محمد يوسف محمد” و”أحمد محمد” الذي استشهد بالجنوب و”بابكر كرار” و”ميرغني النصري” ومولانا “صادق عبد الله عبد الماجد” و”الحبر يوسف نور الدائم” والدكتور “حسن الترابي” مروراً بالعديد من أولئك الذين أرسوا دعائم حركة الإخوان المسلمين بالسودان.
وحينما بدأنا نوثق لتلك الحركة لم نتعرض لتلك البدايات، ولكن حاولنا أن نسلط الضوء على تجربة جديدة نشأت كما التجربة الأولى، وكانت مدينة المهدية الحارة الثانية نقطة انطلاقتها، وبالإمكان أن تكون هناك بدايات لنفس الحركة في جبال النوبة أو كسلا أو بورتسودان أو الجزيرة، أو غيرها من مناطق السودان المختلفة التي كانت بذرة الحركة التي نمت فيها. وهناك شباب وطلاب كانوا الزاد لتلك الحركة بالمدارس والجامعات السودانية، ولكن طلاب وشباب الحارة الثانية كانوا فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، كانوا زاهدين في متع الدنيا وحلمهم كان يتمثل في دولة إسلامية تطبق شرع الله وتحكم بالكتاب والسنة، دولة بعيدة عن الفساد والإفساد، دولة تعامل مواطنيها معاملة واحدة.. كان الشباب يتوقون لمجتمع المدينة الأول، ولذلك كانوا على قلب رجل واحد بعيدين عن القطيعة والنميمة وأكل مال الناس بالباطل وكان الجيب واحداً، ولذلك توطدت العلاقات فيما بينهم، ليس هناك فرق بين هذا وذاك، الدخول إلى منازل بعض كأنما الشخص يدخل منزله بدون حرج، كل الأسرة تعرف هذا كما تعرف الأسرة الأخرى ذاك. ظلت العلاقات مترابطة فيما بينهم ليس من أجل مصلحة أو مال، أو سلطان أو غيرهما من المصالح التي تربط بين الناس كما اليوم.
إن الحركة الإسلامية انتهجت أسلوب التربية لمنسوبيها، فحينما يتربى الشخص على الخلق الإسلامي القويم لا تخشاه.. وحينما يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة، فتأكد أن هذا الشخص لن يحيد عن الطريق الذي خطه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
توجد كثير من التجارب لحركة الإخوان المسلمين، ولكن لا ندري أن كل تلك الحركات شبيهة ببعض، ربما الأجيال السابقة أو الحركات التي نشأت خلال فترة الستينيات والسبعينيات، تختلف عن النماذج التي تلت بعد ذلك. وهل النماذج التي أتت بعد الإنقاذ هل نفسها أم أن هناك اختلافاً؟ يبدو أن هناك اختلافاً فالحركات السابقة لم يكن وراؤها طمع دنيا كما نشاهد اليوم، فإن المنتمين للحركة الإسلامية الذين جاءوا في ظل الإنقاذ، لم يجدوا الأرضية الخصبة التي اعتمد عليها السابقون، فأصبح الكيد وتغليب المصالح الشخصية أكثر. فإذا كان إخوان الماضي يؤثرون على أنفسهم، نلاحظ أن إخوان اليوم يأخذون ولا يعطون.
حينما نتذكر أولئك الشباب الذين عشنا معهم في سبعينيات القرن الماضي، ونربطهم بالأجيال الحالية نجد الفرق شاسعاً في كل شيء، رغم أن الدكتور “أمين حسن عمر” قال إن أبناء الحركة الإسلامية الذين تربوا في أحضان الإنقاذ كانوا أكثر تفانياً، بل مات الكثير منهم في أدغال الجنوب، وهذا يدل على أن أجيال الحركة الإسلامية اللاحقين، لم يكونوا طامعين في نعيم الدنيا، أو في الوصول إلى المراكز الرفيعة، فقد ضحوا بدمائهم الطاهرة وهم شباب في مقتبل العمر، وفي مواقع علمية رفيعة إن كانوا طلبة أوأساتذة بالجامعات.. ولكن هل بالإمكان أن تتنازل قيادات الحركة الإسلامية من آرائها الفردية من أجل المصلحة العامة.