الاستثمار فى الحديد.. بأس شديد ومنافع للاقتصاد
فى منطقة جبلية وعرة يستغرق الوصول إليها عبر طريق ترابي شاق وبمعاناة، وسط الصخور والوديان حوالي أربع ساعات ، يقع منجم (فو) لإنتاج الحديد في منطقة أدارويب بولاية البحر الأحمر على بعد (295) كيلو متر شمال شرق مدينة بورتسودان، في المنطقة الواقعة بين محليتي أوسيف ومحمد قول. والمنجم أحد أبرز الاستثمارات الصينية في السودان ، والصين تعتبر الشريك الاستراتيجى الأكبر للسودان، ووجهت كل خبراتها لصالح التنمية في البلاد، بما فيها قطاع الحديد. والمشروع أقامه بجهد ذاتي رجل أعمال صيني شاب، جاء قادماً من أرض التنين إلى أرض الحجر الأسود ويعني الاسم (أدارويب) باللهجة البيجاوية الحجر الأسود. تلك المنطقة المهجورة العارية أرضها من الحشائش ويتحاشاها (البوم) بدأت تتجه نحو التطور بفضل اتجاه الدولة لاستغلال خيرات الأرض بالتركيز على استفادة المواطن أولاً قبل المستثمر، لا سيما أن والي الولاية «محمد طاهر ايلا»، شدد على أن التنمية إذا لم تكن فائدتها ومنافعها للجميع، تعتبر ناقصة وغير مكتملة.
وأكد وزير المعادن «كمال عبد اللطيف» خلال مخاطبته حفل التدشين بمنطقة أدارويب التي تبعد (300) كيلو متر شمال بورتسودان، أن موقع امتياز الشركة الذي تبلغ مساحته (4) كيلو متر، يحتوي على احتياطي يبلغ مليون طن من الحديد تقدر بقيمة مليار دولار.
صناعة الحديد واحدة من أكبر الاستثمارات ذات المخاطر الكبيرة، نسبة لارتفاع تكاليف الاستخراج والمعالجة والتصدير. وعندما أعلنت وزارة المعادن اتجاهها نحو التنقيب عن الحديد، حذر المراقبون لقطاع المعادن من خطورة الخطوة، رغم أن السوق واعدة ويمكن أن يحقق فوائد كبيرة للاقتصاد القومي.
وتعاني صناعة الحديد الخام على مستوى العالم أزمة كبيرة ، ويشير اقتصاديون إلى أن هنالك عدة عوامل من شأنها أن تؤدى إلى زيادة الفجوة بين العرض والطلب خلال السنوات الـ (15) القادمة. وتتمثل هذه العوامل وفقاً للخبراء بمجال التعدين، في الزيادة الكبيرة في الطلب والتنافس على العمالة المؤهلة، ونقص تمويل المشاريع وصعوبة العمل في الأماكن النائية، والنقص الشديد في الخبراء المختصين في هذا المجال. وتأتي الصين في المركز الأول عالمياً من حيث حجم الطلب على المعادن، الذي يتوقع أن يصل إلى ذروته في العام 2030 بمقدار مليار طن.
ولاية البحر الأحمر تصنف من الولايات الغنية بالمعادن، لكن هنالك نظرة الريبة التي ينظر بها الأهالي للمستثمرين. ويرى والي الولاية «محمد طاهر ايلا» أنه من الضروري إعانة المتأثرين بعمليات التعدين، بتوفير الخدمات الأساسية. وشدد «ايلا» لدى مخاطبته حفل التدشين على ضرورة تدخل الحكومة لتغيير أوضاع إنسان الولاية، وحث الشركات على إنفاذ مشروعات البني التحتية بمناطق الإنتاج، منوهاً أن الخدمات هي الضمان الوحيد لاستدامة واستقرار مشروعات المعادن.
وكان وزير المعادن «كمال عبد اللطيف» قد دشن بداية إنتاج الحديد بمنجم (أدارويب) بمحلية جبيت بولاية البحر الأحمر، الذي تديره شركة (فو) للتعدين الصينية وذلك بحضور الدكتور «محمد طاهر ايلا» والي الولاية وأعضاء حكومته .
وأعلن «عبد اللطيف» عن علاقة استراتيجية تربط السودان والصين في مجال المعادن، مشيداً بوفاء دولة الصين بوعدها. وقال إن ولاية البحر الأحمر تعتبر من أغنى الولايات بالمعادن، التي يتوفر فيها بكميات كبيرة . وأكد وزير المعادن مواصلة الوزارة لتقديم الخدمات الاجتماعية لسكان المنطقة، لمساعدتهم لشركة (فو) لزيادة المساحات وصولاً لزيادة الإنتاج . ووجه الوزير دعوة للقطاع الخاص السوداني لولوج الاستثمار في المعادن والقطاع المصرفي لتمويل المشروعات المختلفة، مبيناً أن المرحلة المقبلة ستشهد تدشين الإنتاج بالعديد من الشركات بولايات الشمالية والبحر الأحمر، مبشراً أهل السودان بالخير الوفير.
يبدو أن ولاية البحر الأحمر قد مهدت لأرضية خصبة للاستثمار السياحي، واتجهت بقوة لجذب الاستثمارات في قطاع المعادن، لذلك جاء تأكيد واليها (إيلا) أن مشروع صادر الحديد من الولاية، يعد إضافة حقيقية للاقتصاد القومي والولائي، مشيراً إلى وجود أكثر من (17) مربعاً للتعدين بالولاية ، وأن مناطق التعدين الأهلي تشهد استقراراً أمنياً وتعايشاً سلمياً، وأشاد «ايلا» بالتنسيق التام بين الوزارة والولاية في مجال المعادن، معتبراً تقديم الخدمات الاجتماعية بمناطق التعدين الضمان الأساسي لاستمرار المشروعات المختلفة ، داعياً إلى مراعاة قضايا البيئة واستخدام التقانات الحديثة التي لا تؤثر على البيئة ، مرحباً بالشركات الجديدة التي تحقق قيمة مضافة للمنتجات الوطنية .
المستر «فو يانق جو» مالك ومدير عام شركة (فو) للتعدين الصينية، بدا متحمساً وواثقاً من نجاح مشروعه، ودعا إلى منحه تصاديق إضافية لاستخدام مياه البحر الأحمر في استخلاص الحديد. وقال إن الشركة تنتج ألفين طن من الحديد في اليوم، وتسعى إلى إنتاج (100) ألف طن في الشهر قبل نهاية العام الحالي، مشيراً إلى أن الشركة منذ تخصيص المربع لها عام 2011م، قد صدرت (24) ألف طن من الحديد إلى الصين، وأن المصنع الذي افتتح اليوم يعمل على رفع تركيز خام الحديد من 40 % إلى 60% .
وأشار «فو» إلى أن شركته تقدم الخدمات الاجتماعية للمواطنين، ممثلة في حفر الآبار وإنشاء المراكز الصحية وتعبيد الطرق، لتحقيق تنمية اقتصادية بالمنطقة، لافتاً إلى أن الشركة قد أنتجت الذهب بوادي حلفا، والكروم بولاية النيل الأزرق، وصدرت (5) ألف طن منه بالإضافة إلى إنتاج الحديد بولاية البحر الأحمر.
وبما أن منطقة أدارويب من المناطق النائية، وتفتقد للخدمات الأساسية، حيث يعاني الأهالي في الحصول على مياه الشرب، لذلك لم تكن مطالبهم التي دفعوا بها للشركة بالمستغربة. وطالب معتمد محلية جبيت «عيسى حمد شيك» بتوظيف أبناء المنطقة في الشركة، وتقديم خدمات المياه والكهرباء والطرق والتدريب، مؤكداً أن المحلية ستقدم كل العون للشركة.