ما حقيقة تسريب الإغاثة للأسواق؟!
في الأمثلة السودانية يقولون (العود لو ما فيه شق ما بيقول طق).. و(ما في نار بدون دخان)، والأمثلة كثيرة في ذلك، ونحن في فصل الخريف الذي هدمت أمطاره وسيوله منازل المواطنين، وجعلتهم في العراء يبحثون عن المأوى والمأكل والمشرب.. فتصدى رجال أوفياء من الداخل ومنظمات وهيئات ومواطنون، دفعهم حبهم وضميرهم الوطني، لإغاثة إخوانهم. ومن ثم جاءت إغاثات الدول الأخرى قطر، اليابان والمملكة العربية السعودية، وكثير من الدول والمنظمات، قدمت يد العون والمساعدة المادية والعينية لأولئك المتضررين والمشردين، بعد أن كانوا آمنين في مأواهم ومأكلهم ومشربهم. ما قدمت من مساعدات عمل طيب، ولكن كثر الهمس واللمز عن تلك الإغاثات التي لم تذهب لأهلها المتضررين، فالبعض أكد أنها تباع نهاراً جهاراً في (سوق ليبيا)، والبعض الآخر يقول إنها دست في مخازن آمنة لا يصلها أحد.. وكثير من الأحاديث والأقاويل عن تلك الإغاثات، بينما المجلس الوطني ينفي صحة تلك الأقاويل، وجهات تقول كل من تثبت إدانته بالتلاعب في مواد الإغاثة سوف يقدم إلى المحاكمة.
إن السودان قد شهد الكثير من الابتلاءات خاصة في السيول والأمطار، ومنذ العام 1988 على الأقل، قد شهدنا ذلك بوعي كامل، وأيضا سمعنا أن مواد الإغاثة التي تقدمت بها الدول الصديقة والشقيقة في ذاك الزمن، قد ذهبت إلى الأسواق، بدلاً من أن تذهب إلى المحتاجين والمتضررين. ولم يكن الأمر قاصراً على مواد الإغاثة فقط، حتى زاد المجاهد قيل إن هناك من كان يتلاعب به. فكلها أقاويل لم نتأكد من صحتها، ولكن كما قلنا في البداية (ما في دخان بدون نار)، فكيف يتحول الهمس إلى جهر وفي الهواء الطلق وفي الأماكن العامة، بأن مواد الإغاثة تباع في الأسواق.
لقد حدثني شخص ودعاني للتأكد بنفسي، أن بعض مواد الإغاثة القادمة من دولة شقيقة وصديقة، جزء من تلك الإغاثة يذهب إلى أفراد، بينما يحاولون التغطية بإرسال المشمعات فقط، أما ما هو ثمين وقيم يحول لمنفعة بعض الأشخاص.
إن فاقدي الضمير موجودون، وآكلي الأموال بالباطل موجودون، وأصحاب الذمم الخربة والضمائر الميتة موجودون، فلا نستبعد أن جزءاً من تلك الإغاثات قد ذهبت لمنفعة آخرين وستكتشف قريباً.. ويجب أن يفتح المسئولون في الأمن الاقتصادي أعينهم تماما،ً وأن يمسكوا الخيط من أوله حتى نهايته، ويجب ألا نتمسك بـ(عفا الله عما سلف).
هل يكون الغرباء أحرص وأشفق علينا من بني جلدتنا؟ هلا يموت الضمير الإنساني؟ هل تقدم المنفعة الشخصية أكثر من المنفعة العامة؟ يقولون (المال تلته ولا كتلته)، فإذا فقد الإنسان منزله وكل ممتلكاته وجاءت تلك الإغاثة لتغطي جزءاً مما فقده، لماذا يذهب هذا الجزء لأولئك أصحاب الضمائر الميتة. ألم يؤثر فيه حالهم وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ألم يؤثر فيهم وضعهم وقد تحولت منازلهم إلى أنقاض، ومات من مات من أسرهم تحت تلك الأنقاض، أو قذفت به المياه إلى مكان سحيق.
يجب ألا نغمض أعيننا وألا نصم آذاننا عن تلك الأحاديث، ولنكشف إن كانت هناك حقيقة وراء ما قيل عن سرقة مواد الإغاثة، وليعاقب من باعها والشاري، ليكونوا عظة وعبرة لغيرهم.