كيف نشأت الحركة الإسلامية بـ(المهدية)؟ (2)
حركة التوثيق في السودان ضعيفة، والساسة وغيرهم لا يميلون إلى كتابة مذكراتهم بحجة أن بعض الحروف قد تجرح الآخرين، لذا آثروا الابتعاد عن ذلك حتى من خلال الحوارات الصحفية يكونون متحفظين في الإدلاء بالمعلومات عن أنفسهم أو عن الآخرين.. لذا نجد أن معلومات كثيرة يموت بها أصحابها وقد حاولت بقدر المستطاع أن أسلط الضوء على جوانب علها تشجع الآخرين على الكتابة بما يملكون من معلومات، وقد بدأت أمس الأول بتسليط الضوء على فترة مهمة لم نتطرق لها قد يطويها النسيان وهي فترة نشأة الحركة الإسلامية، وهنا لا أتحدث عن بدايات الحركة الإسلامية التي نشأت خلال فترة الأربعينيات على أيدي رجال أفاضل منهم من توفاهم الله ومنهم لازال على قيد الحياة، ولكن لم يوثقوا لتلك الفترة.. ذكرنا في الحلقة السابقة أن الحركة في فترة السبعينيات من القرن الماضي بدأت بمدينة المهدية الحارة الثانية على أيدي رجال أفاضل ليس لهم اليوم صوت أو ذكرى وقد آثروا الصمت والابتعاد بعد أن تسلق المتسلقون وادعوا أنهم مفجرو الثورة والحركة، لقد كان الشباب وقتها وهم طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية وبعض القيادات التي كانت بجامعة الخرطوم أمثال الأستاذ “محمد النجومي” الذي كان يحرر صحيفة (آخر لحظة) بجامعة الخرطوم، والأستاذ “عمر عبد القادر” الفنان والرسام بـ(المعهد الفني) – جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الآن، ومجموعة بيت العزابة بالحارة “الحسين” و”عبد الكريم” و”حماد عجيب” و”حسن رزق” وزير الشباب والرياضة السابق والإذاعي “الأمين حاج الطيب” الأب الروحي للمجموعة، وقتها لا أحد يعرف شيئاً عن حركة الإخوان المسلمين، فكل ما في الأمر كانت العبادة الصلاة في جماعة وقراءة القرآن والونسة الجانبية لموضوعات مختلفة من الحياة بحكم العلاقة بين أولئك الأقران بالحي أو الأحياء المجاورة (الأولى والرابعة والسادسة والثامنة والتاسعة)، وقد فاتنا في الحلقة السابقة أن نذكر بعض الإخوان مثل “محمد خالد بابكر” و”محمد أحمد محمد الأمين” و”محمد عبد الله الغبشاوي” و”عثمان الشيخ” والأستاذ “يوسف زيدان” أو كما يحلو أن يسميه “شيخ الأمين” (يوسف زهجان) لأنه دائماً في حالة زهج رغم قلبه الأبيض، و”خليل” والأخوان “محمد” و”عادل” من سكان الحارة السادسة الآن أصبحوا من (جماعة التبليغ)، وقتها الجميع في مراحل المراهقة واكتشاف الذات، فقد حفظت الحركة أولئك الشباب من الانحراف لأن تلك السن تعتبر سن خطرة تمرد الشباب فيها على نفسه، فلم يكن في تلك المجموعة مدخنين ولم يحدثوا أنفسهم بذلك أو تعاطي (السعوط) كما نلاحظه في شباب هذا الزمن، بالإضافة إلى فكرة إنشاء فريق لكرة القدم وتفجرت طاقات الشباب في الميدان، ولو انتبهت الفرق والروابط الرياضية لاختطفتهم، ولكن القائمين على الأمر حاولوا أن يبعدوا أولئك الشباب من تلك الفرق والروابط خوفاً من الانحراف، من المبدعين وقتها “منصور العبيد” و”فتح الرحمن مهدي دياب”، “رشيد المهدية” كان صغير السن وأُسندت له حراسة المرمى، وشخصي الذي جرت رابطة السلام بالمهدية خلفي كثيراً ورفضت، و”عمر عبد القادر” و”عمر أبو الزين” وغيرهم. أما ناس “النجومي” و”شيخ الأمين” و”عوض سليم” و”إمام” يقذفونها محل ما تمشي تمشي، أما “عبد القادر الفحل” بحذاء (الباتا) كان شديد التصويب وكذلك “زيدان”، ونسينا الدكتور الراحل “حسان إبراهيم” كان من المجيدين للعبة.
إن فكرة إنشاء الفريق كانت رائعة وقابلها فريق آخر بـ(ودنوباوي) كان أطرافه دكتور “مطرف صديق علي نميري” وشقيقه “علي” و”المحبوب عبد السلام” و”عاصم محمد أحمد عيسى” و”محمد علي الكارس” وناس “حسين خوجلي”، ولكني لم أشاهد “حسين” داخل الميدان رغم أنه لم يكن بديناً كما اليوم كان يرتدي الـ(تي شيرت(، وعدد كبير خانتني الذاكرة ولم تسعفني على ذكرهم رغم أنهم أمامي بوجوههم،. كان التمرين ينتهي مع آذان المغرب وبعد الصلاة يقدم برنامج قصير مع أحاديث نبوية ومن ثم يتفرق الجمع، إما الالتقاء عند صلاة العشاء أو الذهاب لمطالعة الدروس.
كان الأستاذ “محمد عبد الله الغبشاوي” يحرص على الاطلاع أكثر من برامج الرياضة وغيرها، فكان ذا ذخيرة علمية ومعرفية كبيرة، كيف لا ووالده العالم الجليل الأستاذ “عبد الله الغبشاوي” وعمه “محمد الأمين الغبشاوي” بالحارة الثانية وأحد حمائم مسجد الحارة أو مسجد الشيخ البلك، وكان ذا علاقة متينة مع أولئك الشباب، وأيضاً المسجد كان يضم عدداً من الشيوخ المداومين على كل الصلوات بالمسجد مثل الأستاذ الراحل “الباقر” و”شيخ السر” وعمنا “القاضي” و”علي محجوب” و”شيخ إبراهيم بخيت” رحمة الله عليه كانت له مواقف مع الجمهوريين الذين سكنوا الحارة.
نواصل