هل فشلت صحافة الحكومة؟ (26)
نواصل الحديث عن هل فشلت صحافة الحكومة وتوقفنا في الحلقة السابقة في إدارة الأستاذ الكرنكي” لصحيفة (الأنباء) وتعرضنا لإيجابيات وسلبيات تلك الإدارة، فصحافة الحكومة ونعني فترة (السودان الحديث) التي تولى رئاسة تحريرها الأستاذ “فتح الرحمن النحاس” والأستاذ “النحاس” يعد من جيل الشباب وهو أحد خريجي كليات الإعلام (أم درمان الإسلامية) ومارس مهنة الصحافة منذ تخرجه، ولذلك كان يعي دور التحرير تماماً، وربما كانت تنقصه تجربة الإدارة، بخلاف الأستاذ “محي الدين تيتاوي” الدكتور فيما بعد، وأول رئيس تحرير لصحيفة (الإنقاذ).. وقد عاصرت الدكتور “تيتاوي” في صحيفة (الأيام) ووقتها كان رئيس تحرير، أما “النحاس” فقد عاصرته أيضاً بالأيام ووقتها كان محرراً بقسم الأخبار، فتزاملنا أواخر أيام مايو والتي قضينا فيها ما يقارب العام ونصف فأطيح بها في ثورة رجب أبريل 1985م.
الدكتور “تيتاوي” كان أول رئيس لصحيفة (الإنقاذ) وهي صحيفة حكومية (100%) لم أعمل معه في تلك الصحيفة، ولكن كنت مراقباً لما يجري فيها فقد تكالب عليه بعض صحفيي الإنقاذ ولم يتمكن من مواصلة عمله في ظل ظروف المشاحنات واللوبيات والصراعات التي أطاحت به.. أما الدكتور “تيتاوي” من الصحفيين الذين بدءوا حياتهم الصحفية من القاع أي من بداية سلم العمل الصحفي وتدرج فيه إلى أعلى سلم العمل الصحفي وهو يعرف جيداً عمل الصحيفة من بداية الحصول على الخبر وتصنيفه خبراً سياسياً أو اجتماعياً أو رياضياً، حواراً أو تحقيقاً، ووضعه على آلات الجمع (الرصاص) ووقتها لم يدخل الكمبيوتر في العمل الصحفي، كما يعلم جيداً مدخلات طباعة الصحيفة من بكرات الورق والبليتات والأحبار حتى صدور الصحيفة، كما يعلم جيداً طريقة التوزيع بالمركز والولايات وكيفية تحصيل المطبوع من الصحيفة والراجع، فالصحفي الذي بدأ حياته من أول السلم يعرف جيداً كيف يستطيع النهوض بالصحيفة، ولذلك نستطيع أن نقول إن هناك عدداً بسيطاً من الأجيال السابقة مثل الدكتور “تيتاوي” والأستاذ “أحمد البلال الطيب” والأستاذ “فتح الرحمن النحاس” والأستاذ “مصطفى أبو العزائم” وهو أيضاً من الصحفيين الذين عملوا بصحافة الحكومة وبدأ حياته من أول السلم وتدرج في العمل الصحفي حتى وصل إلى منصب رئيس تحرير، والآن تعتبر صحيفة (آخر لحظة) التي يرأس تحريرها من الصحف الراسخة وتحتل في التصنيف الصحفي المركز الثالث.
إذن صحافة الحكومة لم يهزمها المحررون أو رؤساء التحرير وإنما تهزمها السياسات، فصحيفة (الأنباء) لم تكن من الصحف الفاشلة أو الضعيفة تحريرياً، ولكن هزمتها السياسات فحتى الدولة التي تتحدث بلسانها لم تقف إلى جانبها ولم تقدم لها الدعم الذي يساعد في نهوضها، بالإضافة إلى أن الذين تولوا رئاسة تحريرها يعتبرون من القيادات الصحفية، فمثلاً الأستاذ “النجيب آدم قمر الدين” من الأقلام الصحفية الممتازة، ولكن إذا وضعناه في التصنيف الصحفي فهو تربى في حضن وكالة السودان للأنباء (سونا) بدأ حياته فيها حتى وصل إلى أرفع منصب فيها وهو مدير الوكالة، ولكن حينما تولى رئاسة التحرير في الصحيفة فالمهمة تختلف.. ففي (سونا) المهم نشر الخبر للصحف وللوكالات ولكن في الصحيفة لا بد أن يكون ملماً بعملية التوزيع والإعلان والطباعة ومشاكلها. وكذلك الدكتور “أمين حسن عمر” فهو كاتب صحفي ممتاز وبدأ حياته الصحفية (بألوان) ثم (الراية) ولكن حينما تولى رئاسة تحرير (الأنباء)، الأمر يختلف تماماً.. فالعمل في الصحيفة يختلف عن العمل في أي مؤسسة إعلامية أخرى فقراءة نفسيات القارئ مهمة جداً ومنها تستطيع أن تحدد مدى نجاح الصحيفة فكتابات “النجيب” أحياناً لا تعطي قراءة صحيحة لنجاح الصحيفة من فشلها.
نواصل.