هل فشلت صحافة الحكومة (24)
عندما بدأت التوثيق لفترة مهمة من تاريخ الصحافة السودانية، قلت في البدايات إنني أكتب عن حقبة محددة وتاريخ محدد، ويجب أن أكتبه وأنا صادق بكل تفاصيله، خيره وشره، إيجابياته وسلبياته، ولكن هناك بعض الزملاء يريدون أن نكتب هذا التاريخ ناقصاً أو أن نتحدث عن الإيجابيات ونترك السلبيات.. أحد الزملاء اتصل بي معاتباً لما كتبته عن الأخ “الكرنكي”. فقلت له: الأخ “الكرنكي” صديقي أكثر منك، وقد شكلنا في فترة (الأنباء) و(الرائد) أكثر من ثنائي، وقدمنا ما يفيد الناس، إن كان في باب (وجه من بلادي) بـ(الأنباء) أو (نجوم قريبة) بـ(الرائد). والأخ “الكرنكي” عالم في مجاله، موثق من الدرجة الأولى، وقد استفدت منه كثيراً عندما كنا نجري تلك الحوارات، وزودني بشخصيات لن تتسنى لي معرفتها لولاه، رغم أنني سبق أن أجريت مثل تلك الحوارات التي نشرت في بابي (نجوم قريبة) و(وجه من بلادي) حينما كنت بصحيفة الأيام 1985م، أي قبل أن التقي بالأستاذ “الكرنكي” في 2003م، وحينما أجريت أول حوار من تلك الشاكلة مع مولانا “عبد الرحمن عبده” قاضي محكمة (الفلاشا) وجد الحوار صدى كبيراً من جمهور القراء، وعندما دخلت (الأيام) صباحاً بعد النشر وجدت عدداً كبيراً من المعجبين بالحوار عند الباب قبل أن ألج إلى داخل الصحيفة.. وتوالت تلك الحوارات مع مولانا “أبكم” رئيس هيئة الاتهام في قضية “بهاء الدين محمد إدريس” وزير رئاسة الجمهورية إبان الحكم المايوي. وفي عام 1995م عندما عدت من المملكة العربية السعودية وحضرت إلى صحيفة (السودان الحديث) أصر زميلنا “فتح الرحمن النحاس” أن أعمل معهم، وطلب مني حوارات على شاكلة الحوار مع مولانا “عبد الرحمن عبده”، وفعلاً أجريت حواراً مع الدكتور “الجزولي دفع الله” رئيس وزراء الانتفاضة، والراحل مولانا “ميرغني النصري” عضو مجلس رأس الدولة، وعدد كبير من السياسيين والقانونيين وأهل الفن، لذا حينما طلب مني “الكرنكي” في عام 2003م إجراء مثل تلك الحوارات كانت لدى الفكرة، وكنت حريصاً عليها أكثر من زميلنا “الكرنكي”، فقدمنا عدداً كبيراً من الشخصيات البارزة في المجتمع سياسياً وثقافياً ورياضياً.
أحد الزملاء الذي يظن أن لديّ مشكلة مع الأخ “الكرنكي”، يجب أن يبعد كل هذا من رأسه، فأنا أوثق لحقبة مهمة، والتاريخ لا أكتبه بمفردي فكل الزملاء يمكنهم الكتابة، حتى صديقنا هذا، ولكن للأمانة والتاريخ نسطر تلك الكلمات، فتاريخ الصحافة السودانية مهمل وإن أصبنا أخانا “الكرنكي” بحديث غير صحيح فهو موجود ويمكن أن يصححنا، والود بيننا موجود، وعلاقتنا لم تشوبها شائبة، ولكن أردنا التحدث عن بعض الأخطاء حتى لا يفقد الأخ “الكرنكي” رصيده عند الزملاء والأصدقاء بتلك القرارات غير الصائبة والمتعجلة، التي تخصم من رصيده الناصع، وحتى تعرف الجهات المسؤولة أنه حين إسناد العمل في المؤسسات الصحفية ينبغي أن تكون هناك متابعة ومراجعة ولا يترك المسؤول لقراراته الفردية.. قال لي الفريق أول “تاج الدين عبد الله فضل” عضو المجلس العسكري الانتقالي عقب انتفاضة (رجب/أبريل) 1985م في حوار لي معه قال لي: (“نميري” لو كان بجانبه مستشارون ينبهونه من اتخاذه القرارات المتعجلة لما وصلت مايو للذي وصلت إليه).. لذا نحن لم نكن ننبه الأخ “الكرنكي” عندما يتخذ قراراته الفردية.. فمثلاً الأخ “الهندي عز الدين” الذي شغل منصب مدير تحرير صحيفة (الأنباء) بمعنى أنه الرجل الثاني في الصحيفة، إذا أخطأ “الهندي” تكون المحاسبة بعد مشاورة ومعرفة أسباب الخطأ، لكن الأخ “الكرنكي” استعجل في اتخاذ قرار ضد الأخ “الهندي” عندما ذهب بعربة الصحيفة مشوار، وفي الطريق (ضرب لستك) السيارة، وكان يمكن أن يفقد الأخ “الهندي” حياته بسبب هذا (اللستك) الذي انفجر في الطريق.. والأخ “الكرنكي” اتخذ قراراً متعجلاً وطالب الأخ “الهندي” بقيمة (اللستك) الذي انفجر!! في ظني هذا قرار متعجل حتى لو كان لمصلحة المؤسسة.. ألم يذهب الأخ “الكرنكي” بعربة المؤسسة إلى مشوار خاص؟ هل يدفع قيمة الوقود من حر ماله؟ أم من المؤسسة؟!
الأخ “الهندي” لم يعجبه القرار فتقدم باستقالته وطالب بحقوقه، لكن الأخ “الكرنكي” لم يدفعها إلا عندما اتصلت به (الشخصية الكبيرة).. هذا خصم من رصيد الأخ “الكرنكي” وترك أثراً سالباً في علاقته مع زميله، لأن المفترض أن تشكّل لجنة تحقيق ويُسأل الأخ “الهندي”، ومن ثم تصدر اللجنة قرارها.. إما معاقبته أو تبرئة ساحته، وتظل العلاقة بين الطرفين جيدة بدلاً عن استعجال القرارات التي تخصم ولا تضيف.
نواصل