(28) عاماً على انتفاضة السادس من أبريل؟
في مثل هذا اليوم من قبل ثمانية وعشرين عاماً ثار الشعب السوداني بكل مكوناته ضد نظام الرئيس الراحل “جعفر نميري”.. بدأت الثورة تشتعل ويزداد لهيبها في الأيام الثلاثة الأخيرة عندما انقطع التيار الكهربائي نهائياً وانعدمت المياه ومعظم ضروريات الحياة وبدأت الأجهزة الأمنية تطارد الرؤوس المدبرة لتلك الانتفاضة فاعتقلت عدداً كبيراً من المواطنين والنقابيين وأساتذة الجامعات، ولكن رغم حركة الاعتقالات الكبيرة فلم يهدأ الشارع، فبدأ الشباب بإحراق إطارات السيارات بالطرقات والأزقة وعانى أفراد جهاز الأمن من تلك الحالة التي توسعت وليس بمقدورهم السيطرة عليها وربما حتى أعضاء جهاز الأمن والشرطة أحسوا بأن النظام بدأ يلفظ أنفاسه وبدأ التعامل مع المواطنين بمرونة على غير العادة حينما كانوا يتصدون للمظاهرات بالهراوات والغازات المسيلة للدموع.
أذكر نحن كنا في صحيفة (الأيام) التي تولى رئاستها قبل الانتفاضة بعدة أيام الأستاذ “إبراهيم عبد القيوم” الذي حل في موقع رئيس التحرير الأستاذ الراحل “حسن ساتي” الذي حاول أن يتشفع للأستاذ “محمود محمد طه” زعيم جماعة الجمهوريين فكتب كلمة (الأيام) بالتزامن مع صحيفة (الصحافة) التي كتب كلمتها أيضاً في نفس الموضوع رئيس التحرير آنذاك الأستاذ “فضل الله محمد” ويبدو أن تنسيقاً قد جرى بين الاثنين عسى ولعل أن يستمع الرئيس “نميري” كما أبديا من رأي حول موضوع “محمود محمد طه” ويتنازل عن حكم الإعدام عليه، ولكن الرئيس “نميري” وبعد أن اطلع على كلمتي (الأيام) و(الصحافة) أصدر قرار بإحالة الأستاذين “حسن ساتي” و”فضل الله محمد” إلى الأكاديمية لينالا مزيداً من التأهيل والتدريب، ولكن الهدف لم يكن ذلك، فقد حاول الرئيس “نميري” أن يبعدهما عن رئاسة الصحيفتين باعتبارهما لسان حال الحزب الحاكم.
تولى الأستاذ “إبراهيم عبد القيوم” المنصب والأستاذ “إبراهيم عبد القيوم” كان مايوياً وسبق أن تولى رئاسة التحرير، ولكن هذه المرة جاءت بعكس ما كان يشتهي وقبل أن يجلس متوهطاً على الكرسي بدأت إرهاصات التغيير وماج الشارع وبدأت الإضرابات، ولن نستطيع أن نقول أن كل العاملين بالأيام كانوا مايوين بقدر ما كانوا مهنيين عدا قلة، وهذه حاولت أن تشق الصف حينما بدأ العديد من المحررين الإضراب وأذكر وقتها بدأ العاملون بوكالة السودان للأنباء الإضراب وجاءوا إلى جريدة (الأيام) وحاولوا إخراج المحررين إلى الشارع فاستجاب البعض وآثر البعض الصمت ليس دفاعاً عن مايو ولكن قلبهم كان مع الانتفاضة التي خرجوا لتغطيتها بحكم الواجب المهني.
استمرت المظاهرات وبدأت النقابات تتجمع بميدان القصر وبدأ البوليس يراقب الموقف من بعيد وفي نفس الميدان تجمع عدد كبير من الوزراء والمسؤولين المايوين كان من بينهم “أبو القاسم محمد إبراهيم” والقائد العام “سوار الذهب” ووزير الداخلية “عباس مدني” و”أبو ساق” وتحركت تلك المجموعة من ميدان القصر إلى السكة الحديد وأطلق عليها مسيرة الروع وخاطب المسيرة “أبو القاسم محمد إبراهيم” متوعداً قادة الانتفاضة بالويل والثبور وعظائم الأمور يوم (السبت) السادس من أبريل 1985م، ولكن مشيئة المولى غيرت الأحداث وانحازت القوات المسلحة للشعب السوداني وأعلن القائد العام، وزير الدفاع “عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب” البيان وانطوت صفحة من النظام المايوي الذي حكم البلاد ستة عشر عاماً فيها الإيجابي والسلبي ولكنها ثورة حتى الآن لم تجد التقييم الكامل من مراكز الدراسات.