أين يمارس يا تيتاوي هؤلاء المهنة؟
ذكرت الصحف الصادرة أمس أن أربعمائة وثلاثين طالباً يجلسون لامتحان السجلّ الصحفي رقم (3)، وأنا أطالع الخبر سألت نفسي وقلت لو قدر لأولئك الطلاب النجاح بنسبة 100% في هذا الامتحان، فما هي الصحف التي تستوعبهم؟ وهل حقاً أن كل هذا العدد سيمارس مهنة الصحافة أم أن الحصول على السجل الصحفي أصبح من الوجاهات، وأن يكون للطالب شهادة قيد صحفي وإن لم يمارس المهنة.
إن مهنة الصحافة كما قيل زمان والآن أصبحت مهنة من لا مهنة له، ولا أعتقد أن كل الجالسين لامتحان السجل الصحفي من خريجي كليات الصحافة، بل هناك من ضاقت بهم السبل ولا ملجأ لهم إلا الدخول من بوابة الصحافة التي أصبحت لكل من هبّ ودبّ أن يلجأ إليها.. وفسدت الصحافة بفساد الداخلين إليها ولهم أغراضهم الخاصة.
عندما دخلت كلية الإعلام جامعة الأزهر كنا تقريباً ستة أو سبعة طلاب، وعندما وصلنا السنة الرابعة وصلنا اثنين، وعندما تخرجنا تخرجت وحدي، وأصبحت أول طالب سوداني يتخرج قسم الصحافة جامعة الأزهر، أما الدفعة الثانية والتي كانت تفوق العشرين طالباً تقريباً ليس من بين الذين تخرجوا فيها وبقي في حقل الإعلام إلا الأخوان “راشد عبد الرحيم” “فيصل محمد صالح” أما أخونا “محمد الشيخ حسين” فأصبح ضابط علاقات عامة، ونراه بين الفينة والأخرى يطل على الصحافة أما الأخ البيطري فكان من خريجي كلية العلوم، والأخ “عثمان ميرغني” كان مولعاً بالصحافة منذ أن كان طالباً بكلية الهندسة، بشبرا، والدكتور “كمال حنفي منصور” رغم أنه كان يدرس الطب، ولكن أيضاً كان من المولعين بالصحافة، وما زال حتى الآن يمارس مهنتي الطب والصحافة ولكن كل الذين تخرجوا من قسم الصحافة بالأزهر معظمهم لم يمارسوا المهنة بالأزهر، فأغلبهم هاجر، والبعض أصبح ضابط علاقات عامة بوزارة من الوزارات، أو اتجه إلى مهنة أخرى وكذلكم خريجي كلية الإعلام جامعة القاهرة الأم لا أرى أحداً منهم يمارس المهنة، وكان الزميل “حماد النور كالينا” له نشاط، ولكنه آثر أن يكون ضابط علاقات عامة، آخر مرة شاهدته بجهاز السودانيين العاملين بالخارج.
الآن أصبحت مهنة الصحافة محببة لغير أهلها، وبذلك نجد كل من أكمل مهنته وأحيل للمعاش فكر في الدخول إلى عالم الصحافة، كل المهن الآن اتجهت إلى ممارسة مهنة الصحافة، وهذا أدخل عليها أناساً، المهنة ليست مهنتهم، فلم يلتزموا بضوابطها ولا بشرفها، لذا نجد المهنة تردّت أخلاقياً ومهنياً، فهناك من يحملون البطاقة الصحفية وهي بمثابة جواز المرور، ولكن هذه البطاقة تستغلّ أسوأ استغلال ومن يحملها يفعل العجب العجاب مع الناس والمسؤولين والمجتمع، وحتى مع الصحفيين أنفسهم، وهنا أذكر أحد الصحفيين لم احتفظ باسمه قال انه صحفي، حاول أن يبتزّني، لاحظوا صحفي يحاول أن يبتزّ زميله، وأظنه لم يكن في كامل وعيه، ولم يعرفني جيداً، حاول أن يتدخل في إنهاء نزاع بين الصحيفة وجهةٍ ما.. قال بأنه يعرف تلك الجهة جيداً، وبما لديه من علاقات مميزة معها بإمكانه أن ينهي المشكلة، ولكن يريد … وتعرفون ماذا يريد هذا المبتز، الذي اتخذ مهنة الصحافة من أجل الابتزاز، لقد استخدمت معه أفظع أنواع العبارات لا أدري إن كان حقاً صحفياً، وكيف حصل على شرف هذه المهنة.
إن مهنة الصحافة والصحف أشبه بالكنانتين التي شبهها بها الأخ السفير العبيد الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، وهي فعلاً أشبه بالكنانتين، صحيفة تصدر والمستثمر الذي يظنّ أنها بقرة حلوب لقطيعه خلال شهور تدرّ عائداً مالياً ضخماً، ولكن عندما تنتهي الفترة وتتراجع مبيعاته وتبدأ الصحيفة في الخسارة يهرب صاحبنا ويترك الصحفيين يكتوون بنار هذا الهروب، لا مرتبات ولا حقوق، لنجدهم كل فترة جالسين على الرصيف إلى أن يأتي مستثمر جديد، ويبدأ المسلسل، لذا لا ندري أين سيذهب هذا الكم الهائل الذي يجلس الآن لنيل شهادة القيد الصحفي؟ وأين تلك الصحف التي سيمارسون فيها العمل الصحفي؟.
يا سادتي دكتور “تيتاوي” وكل العاملين في اتحاد الصحفيين راجعوا هذه المهنة، واجعلوها قاصرة على أهلها، حتى نوقف أولئك الذين يريدون التكسب من هذه المهنة العظيمة.. ولنجنبها الملوثين..
الإخوة في مجلس الصحافة والمطبوعات ، لا تعطوا التصديقات لكل من هبّ ودبّ، ولا للمستثمرين الفاشلين، لتكون لنا صحافة نفخر ونفاخر بها، انظروا إلى العالم من حولنا هل العبث الموجود في صحافتنا موجود حتى في صحافة مصر والسعودية؟ أو حتى تشاد؟ هل نجد صحفيين أو صحافة كالتي نراها الآن، أوقفوا الامتحانات واختصروا على خريجي الصحافة، أمّا من كان نابغاً فافتحوا له المجال ككاتب حتى يستفاد منه، أما أولئك الذين يحاولون إهانة المهنة وأهلها فأخرجوهم، حتى نشبه بقية المهن الأخرى، ولن ينصلح حال المهنة إلا برجال أقوياء يدافعون عنها ويبترون كل فاسد فيها.