مسألة مستعجلة - نجل الدين ادم

استحالة الحظر

لا أحد يرفض التحوطات الصحية من جائحة (كورونا) بقدر ما تحققه من سلامة لأي منا، حتى لو كان الخيار الحظر الشامل للتجوال، كما أعلنت لجنة الطوارئ الصحية أمس (الاثنين)، ولكن حتى يحدث ذلك لابد من ترتيبات أساسية. بالأمس صرح وزير الثقافة والإعلام عقب الاجتماع الذي تم للجنة، وأشار الى تقديم وزير الصحة تقريراً ضافياً عن موقف الوباء، وحدوث تطورات سالبة بزيادة حالات الإصابة، بموجبها توصل الاجتماع إلى قرار الحظر الشامل للتجوال بولاية الخرطوم، مثل هذه القرار لا ينبني على تقارير صحية وحسب، توقعت أن يكون هناك تقرير من وزير الرعاية الاجتماعية يوضح المعالجات التي ستتم للضعفاء والمساكين وأصحاب المهن الذين تعتمد لقمتهم عيشهم على خروجهم من المنزل، وأن الحبس يعني الجوع، كذلك توقعت تقريراً آخر من وزير الداخلية بموقف تأمين العاصمة الخرطوم والأسواق والمحال التجارية الضخمة، بخاصة تلك التي تقع في قلب العاصمة، ومحلات الذهب والصرافات، وغير ذلك من المرافق التي تحتاج لتأمين نوعي، كذلك توقعت تقريراً آخر من وزير المالية بشأن كلفة المعالجات التي ستتم، فقرار الحظر الشامل بمعزل عن هذه التقارير لن يجد القبول، وستوقع الحكومة البسطاء في التهلكة، بدلاً من أن يموتوا بـ(الكورونا) سيموتون بالجوع، تخيلوا معي كيف يستطيع عامل أو صاحب مهنة يعتمد على رزق اليوم باليوم في حياته تحمل هذه الفترة الطويلة؟.
مؤسف جداً أن تستعجل الحكومة المعالجات لتقع في ما هو أسوأ، كان على اللجنة المعنية بدراسة المعالجات أن تقديم تقريراً ضافياً بما وضعته من حلول، لكن يبدو أن الحكومة تريد أن تدير ظهرها عن مشاكل المواطنين، وما سيعانونه من أزمة حقيقية من جراء القرار الخاص بالحظر الشامل، فهل تستطيع الحكومة أن تلزم القطاع الخاص بدفع رواتب العاملين في فترات التوقف عن العمل؟ ومعلوم أن رواتبهم تأتي مما سينتج المصنع أو الشركة، لم تضع الحكومة أي اعتبار لذلك، فقط تريد أن تصدر قراراً في الهواء لتضع المواطن في مواجهة أوضاع مأسوية، لو خُيِّر أي احد بينها و(كورونا) لاختار الأخيرة.
القرار لا يعني سوى سوء التقدير والاضطراب وقلة الخبرة للجهات المسؤولة، فلكم أن تتخيلوا الخرطوم في حالة طوارئ شامل، العاصمة القومية ليست الولايات، وهذه الخصوصية لم تجد من السلطات المعنية الاعتبار، تريد اللجنة بقرار صحي خالٍ من أي ترتيبات أن تضع معاش الناس في كف عفريت، كما يقال في المثل، ليس من الحكمة أن تدعي حرصك على حياة الناس وأنت تعرضهم لمهالك أخرى، فهل هناك ما هو أعظم شدة من الجوع؟، فهذا الذي سيحدث لو أصرت الحكومة على المضي في خطوة الحظر الشامل، ولكنني لا أتوقع بأي حال من الأحوال أن تقدم السلطات على الخطوة، والسبب لأنها ستتوصل إلى نتيجة حتمية بأنها وقعت في أكبر إخفاق، ولابد لها من التصحيح… والله المستعان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية