“وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر”.. “الإمام علي بن أبي طالب.. عليه السلام”
في العام ١٩٨٠م كتب الممثل الأمريكي الشهير (وودي الن) مقالة للريدرز دايجست بعنوان (تائهون في الكون) يتحسر فيها على الخواء الروحي للغرب.. ويعرب عن قلقه وشقائه، إنابة عن أجيال كاملة لم تستطع الحضارة أن تقدم لها إجابات شافية، ولم يشف الدين عندها غليل السائلين وحيرة الحائرين.. وكأنه كان يتوقع زلزالاً كالذي صنعه هذه الأيام، فيروس صغير حقير اسمه (كورونا)، أوقف العالم على كراع واحدة.. فماذا قال؟ –
أكثر من أي وقت مضى، يقف الإنسان اليوم أمام مفترق طريقين.. يفضي الأول إلى اليأس والقنوط، بينما يقود الثاني إلى العدم.. إنني اتحدث كمن هو مقتنع بانعدام أي معنى للوجود.. إن من اليسير إساءة تفسير هذا الموقف باعتباره تشاؤماً، مع أنه ليس كذلك، إنما هو شعور صادق وإحساس بمأزق الإنسان المعاصر وحيرته، ويَمكن تلخيص هذا المأزق في سؤال يقول (كيف يمكنني العثور على معنى للوجود في عالم محدود، لا تتجاوز قياساته عرض كتفي، واتساع قميصي..؟)..
إن العلم قد خيب آمالنا، رغم أنه قد تغلب على عدة أمراض، وحطم سر الوراثة، وأوصل الإنسان الى القمر.. ولكن ماذا عن القنبلة الهيدروجينية.. أين العلم من ألغاز الأبدية، أيعقل أن يرى الإنسان روحه تحت المجهر.. إنني كثيراً ما أفكر في سعادة الإنسان البدائي، لأنه آمن بوجود إله خالق قادر، محب لخلقه، ي بكل شيء.. إن ما فعله أولئك الذين فقدوا إيمانهم بوجود الخالق، هو أنهم جعلوا من التكنولوجيا إلهاً.. إن مصيبتنا أن رجال السياسة عندنا فاسدون.. أو أنهم غير مؤهلين.. إن الإنسان لم يسبق له في أي وقت من التاريخ أن توجس خيفة مثلما يفعل اليوم، إنني أتوقع أن يصبح الخطف بحلول العام ١٩٩٠م نمطا اجتماعياً سائداً.. ذلك أن الإحصائيات تفيد أن في العالم اليوم (١٩٨٠م) .. أناساً أكثر مما نحتاج اليهم لنقل أضخم آلة بيانو، إن العالم لن يتسع عام ٢٠٠٠م لإقامة مأدبة عشاء، إننا وبدلاً من مواجهة التحديات ترانا نتلهى عنها بالجنس والمخدرات.. إننا للأسف نعيش اليوم في مجتمع أكثر إباحية مما ينبغي.. وليس لنا من محور روحي.. بل نحن تائهون وحدنا في خضم هذا الكون.. بينما ينزل بعضنا ببعض أقسى أنواع العنف الوحشي..
إن المستقبل ينطوي على فرص عظيمة سانحة، ولكنه ينطوي على مزالق، والمهارة تكمن في تحين السوانح، وتحاشي المآزق.. أن نعود إلى عقر دارنا في نحو السادسة مساء.