حوارات

(المجهر) في حوار مع رئيس مجلس الولايات الدكتور "عمر سليمان" ما بعد استفتاء دارفور

ما حدث من تدافع في الاستفتاء لم يحدث في أي انتخابات
نسبة الـ(97.7%) كانت عالية ولكن؟
ما تحقق من مكاسب ومصالح للمواطنين جعلهم يرفضون الإقليم ويبقون على الولايات
موقف أمريكا من الاستفتاء سياسي والخارجون عن القانون لا يمثلون الملايين
حوار – صلاح حبيب
ظن البعض أن استفتاء دارفور الإداري سيكون مصيره كمصير استفتاء دولة جنوب السودان وهو انفصال جزء آخر من السودان ألا وهي دارفور، ولكن استفتاء جنوب السودان والذي جاءت نتيجته بنسبة (99,9%) لصالح الانفصال، ولكن استفتاء دارفور الإداري كانت نسبته (97,7%) ولكنها لصالح الإبقاء على الولايات دون الإقليم.
(المجهر) كان لابد أن تلتقي رئيس مجلس الولايات لتقييم عملية الاستفتاء وهل سيقود إلى الاستقرار والأمن والسلام، وهل ما تحققت من مكاسب بسبب الولايات للمواطنين يمكن أن تشجع الآخرين المطالبين بمزيد من الولايات؟ وهل مورست أي ضغوط على المواطنين لبلوغ تلك النسبة العالية، وهل الاستفتاء كان سياسياً وما علاقة مجلس الولايات بولايات دارفور والولاة، وما هو أجل هؤلاء الولاة بعد الاستفتاء.. تلك أسئلة طرحناها على الدكتور “عمر سليمان” رئيس مجلس الولايات فنترك القارئ يطلع على إجاباته عبر هذه السطور.
{ جرى في الفترة الماضية استفتاء دارفور الإداري وانتهى بنسبة عالية بلغت (97,7%) ما هو تقييمكم لهذا الاستفتاء أنتم كمجلس للولايات؟
– إذا أعدتك إلى علاقتي بدارفور منذ العام 1994م، والتي ذهبت إليها بعد إعلان ولايات دارفور الثلاث شمال وغرب وجنوب.. وهذا كان بداية الحكم الفيدرالي، ووقتها ذهبت إليها وزيراً للتربية والتعليم وأمضيت بها سنتين وخلال تلك الفترة طفت كل مناطقها حتى حدودها مع الجارة تشاد والمحليات المختلفة.. وقتها لمست الفرح الكبير بميلاد ولاية غرب دارفور ولمست شكواهم المرة حول تجميعهم على مستوى الفاشر كرئاسة للإقليم، ولذلك عندما جاء خيار الإقليم أو الولايات زرتها أكثر من خمس مرات، زرت الخمس ولايات شمال وجنوب وغرب ووسط وشرق، وخلال زياراتي تلك تلمست الوضع من خلال علاقتي القديمة مع أهل دارفور وشعورهم بالذاتية التي تحصلوا عليها بالرضا عن تجربتهم. وأذكر عندما ذهبت إلى دارفور العام 1994م، كوزير للتربية لم أجد مكتباً لأجلس عليه ولم أجد سكناً لأسكن فيه، وحتى عندما أريد التواصل إلى داخل المدينة من البيت إلى المكتب كانت العربة تغوص في الرمال، ولكن عندما زرتها بعد ذلك وجدت شوارع الزلط ووجدت الاستراحة التي نزلت فيها، أصبحت عمارة ووزارة التربية أيضاً أصبحت عمارة من عدة طوابق، ووجدت تغييراً كاملاً في وجه المدينة. وعزوا كل هذا التطور إلى قيام الولاية ولو كانت ممركزة بالفاشر قطعاً لن يحدث هذا التطور، فالآن توجد حكومة في الجنينة وفي نيالا وحتى المناطق البعيدة التي لم تتوفر فيها أقسام الشرطة أو الصحة أو غير ذلك، الآن أصبحت هناك مؤسسات من قيام المحليات، ولذلك الخيار بالنسبة لأهل دارفور في اختيار الولايات وليس الإقليم لم يكن خياراً سياسياً، فالخيار كان لما تحصلوا عليه من المصالح والمكاسب الكبيرة التي تحققت لهم.. وقد بدأت هناك مشاركة واسعة في السلطة عكس ما كان من قبل، فالآن توجد خمس ولايات وخمسة ولاة ولديهم ما يقارب الأربعين وزيراً وأكثر من مائة معتمد، فهذه هي المكاسب الحقيقية التي حاولوا أن يحرصوا عليها.
 فاستفتاء دارفور نتيجته كانت شبه محسومة ونتيجته التي بلغت (97,7%) تؤكد على الإجماع.
{هل تعتقد أن هناك ضغوطاً مورست على المواطنين للإدلاء بأصواتهم؟
– أبداً ولا أعتقد ذلك.
{ ولكن ألا تعتقد أن نسبة الـ(97,7%) كانت عالية؟؟
– نعم عالية ولكن دعني أعطيك مثالاً أقرب إلى  الصورة، فأذكر أنني ذهبت إلى غرب دارفور- ووقتها كنت الوالي – إلى منطقة اسمها (قُبي) على الحدود التشادية ووقعت مشكلة بين المجموعة القبلية الموجودة بالسودان والمجموعة القبلية الموجودة بتشاد، فتقاتل الناس بالحراب وتم طعن عدد منهم، ذهبت مع السلطان إلى المنطقة فوجدت الأشخاص المطعونين موجودين داخل قطية، فبدأ علاجهم بواسطة الطبيب الذي اصطحبناه ووقتها كان علاجه بتسخين الزيت ووضعه على الجروح، وعندما سألتهم إن كانت لديهم مدرسة أو ممرض أو دونكي للمياه أو مكتب شرطة، فكل أسئلتي كانت إجابتها بالنفي، ولكن عندما عدت إليها مؤخراً وجدت حالها قد تغير فأصبحت بها ثلاث مدارس ودونكي للمياه ومكتب شرطة، فحالهم تغير تماماً عن السابق وحدثت نهضة كبيرة بالمنطقة.
{ وما هو السبب؟
-السبب انفصالهم عن الإقليم وتكوين حكومة إضافة إلى أن الخدمات أصبحت قريبة منهم ولذلك هم يقيسون المكاسب التي تحققت الآن مقارنة بالماضي، فالمواطنون اندفعوا للاستفتاء ليعبروا عن رأيهم نتيجة للمكاسب التي تحققت بالنسبة لهم، ولذلك ظهرت النتيجة العالية التي بلغت (97,7%). وكل حديث المواطنين كان قبل الاستفتاء ألا عودة للإقليم، لأن الإقليم بالنسبة لهم يشكل معاناة في استخراج الشهادات وفي قضاياهم المختلفة، فالتدافع الذي حدث في عملية الاستفتاء لم يحدث في الانتخابات، ففي الانتخابات كان يذهب الناس للتصويت لزولهم ولكن الآن جاءتهم في (اللحم الحي).
{ في يوم الاقتراع حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تشكك في النتيجة، باعتبار أن هناك مواطنين غير موجودين ومواطنين بالمعسكرات،  كيف تنظر للادعاء الأمريكي؟
– نقول لأمريكا المواطنون في المعسكرات أدلوا بأصواتهم والموجودون خارج الولاية سودانيون موجودون بمناطق السودان المختلفة – إلا إذا أرادت أمريكا بحديثها هذا الحركات الخارجة عن القانون فكم عددهم؟! خمسون مئتان ألف فهؤلاء لا يعبرون عن الملايين الذين أدلوا بأصواتهم وموقف أمريكا موقف سياسي.
{ هل تعتقد أن الاستفتاء وما آل إليه سيؤدي إلى استقرار دارفور؟ وهل يتوقع المطالبة بمزيد من الولايات؟
– في تقديري أن عملية الاستفتاء كانت الإبقاء على الولايات أو الإقليم، فما تم الآن وفي تقديري أن الولايات محتاجة لإكمال مسيرة الحكم الفيدرالي من خلال استكمال هياكل الدولة وإكمال مشروعات الخدمات.
{ وهل دارفور الآن آمنة؟!
-لقد ذهبت إلى دارفور عن طريق البر رغم الحديث الذي يقال عن عدم أمنها فزرت غربها ووسطها وذهبت من زالنجي حتى نرتتي والأمن مسألة نسبية، حتى الخرطوم أحياناً تحدث فيها تفلتات.
{ ما هي الولاية التي تعتقد أنها أكثر تفككاً؟
– ولاية جنوب دارفور، فنيالا حدث فيها انفجار سكاني وربما تكون المدينة الأولى من حيث النمو في أفريقيا كلها، فنيالا في عام 1972م، كانت قرية صغيرة، ولكنها الآن أصبحت مدينة كبيرة وبها عدد كبير من النازحين، فالحرب وانعكاساتها ولدت سلوكاً أدى لهذا النوع من التفلت، ولكن حكومة الولاية بذلت مجهوداً كبيراً وكانت نتائجه إيجابية ولم نسمع عن تفلتات جديدة، إلا أحداث جنائية كسرقة عربة، ولكن دارفور موعودة في الفترة القادمة بالاستقرار والنمو المضطرد نحو التنمية.
{ تتحدث عن استقرار دارفور وأمنها ولكن وقع تعدي على منزل والي شرق دارفور ألا يدل ذلك على عدم الاستقرار؟!
– الأزمة معلومة ما بين (المعاليا) و(الرزيقات) وسبق أن عقد مؤتمر بسد مروي بحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية، ووقع طرف على الاتفاق في ما رفض الآخر، ولكن ما حدث في شرق دارفور لا علاقة له بالمعاليا والرزيقات، ولكن له علاقة بالمجموعات التي كانت خارج القانون، فحركات تم التوقيع معها على صلح وسلام وتمت لها ترتيبات أمنية، وفي ظل الترتيبات الأمنية موجودون بأسلحتهم ويتم التعامل معهم وفق ذلك، وهناك مجموعة أجريت لها عملية ترتيبات أمنية ولهم حساسية منذ أيام التمرد، ويقال إن المجموعة العائدة من الشمال كانت في فزع لبهائم وكان معهم ناس الجيش فاصطدموا بالمجموعة الأخرى، وحدثت اشتباكات بينهم، فإحدى المجموعات اتهمت الحكومة بأنها تقف مع المجموعة الأخرى مجرد اعتساف لا مبرر له، والوالي وقتها كان بالفاشر في ورشة نزع السلاح، فحدثت المعركة في خور طعان فمات منهم من مات وبعد الدفن فرقوا جام غضبهم في منزل الوالي.
{ لماذا؟
– لأن هذا يعكس مدى التوتر عند هؤلاء الأشخاص الذين عاشوا فترة طويلة بمناطق الحرب وأي شخص يثير أي اتهام يعتبره صحيحاً، فالأحداث مؤسفة وناظر الرزيقات أصدر بياناً أدان فيه الحادث.
{ سألتك هل الاستفتاء وما حققه من مكاسب للمواطنين هل يشجع الآخرين للمطالبة بولايات جديدة؟
– الآن في كردفان هناك مطالبة من أهل النهود بإنشاء ولاية وسط كردفان فالولايات وزيادتها لها تقديرات سياسية حسب حاجة البلد.
{ هل هناك أجل للولاة بعد الاستفتاء؟
– هذا من حق رئيس الجمهورية وحسب تقديره فإذا أحسن الوالي إدارة ولايته فيمكن أن يبقى الوالي فترة أطول، ورئيس الجمهورية هو الذي يقدر أن يبقى الوالي أكثر أو أقل.
{ ما هو دور المجلس وهل له رقابة على الولاة والولايات؟
– قيام المجلس هو تجربة تعزز الحكم الفيدرالي والسلطات تتوزع بين مستويات الحكم المحلي، والمجلس علاقته حراسة مصالح الولايات وحراسة تجربة الحكم الفيدرالي من تعدي السلطات على بعضها البعض، فكل مستوى له اختصاصات ومسؤوليات محددة بالدستور ووفقاً للجداول المعروفة، فالمجالس التشريعية الولائية يجب ألا تصدر قوانين تتعارض مع القوانين الاتحادية القومية، وكذلك الوزارات الاتحادية لا تتعدى على سلطات الولايات، فأي قانون أودع المجلس الوطني بعد إجازته كمشروع قانون يعرض على لجنة مشتركة اسمها اللجنة المشتركة الداعمة بين المجلسين، وإذا كان هناك قانون يمس مصالح الولايات فالمجلس الوطني يحيله إلى مجلس الولايات للنظر فيه، والآن هناك قانون قدم من وزارة الرعاية الاجتماعية، فبعد إجازته من المجلس الوطني عرض على اللجنة المشتركة قالت القانون يمس مصالح الولايات فأحيل إلى مجلس الولايات.
{ وماذا عن الوالي؟
– فالوالي في السابق كان يقدم تقريره لمجلس الولايات يطلب منه الآن بعد التعديلات في الدستور، فالوالي يتم استدعاؤه فيقدم بيان خطته.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية