مسألة مستعجلة - نجل الدين ادم

عندما تضارب الحكومة

(الثلاثاء) كان يوماً عصيباً على العاصمة الخرطوم، وهي تكتم أنفاسها من جراء أكبر سقطة اقتصادية، لسوء الأسف الحكومة طرف فيها، بلغ سعر صرف الجنيه مقابل الدولار حتى انتهاء ذلك اليوم (120) جنيهاً، بعد أن بدأ بـ(117)، بسبب عملية مضاربة كبيرة في أسعار الذهب، حيث بعث البنك المركزي بـ(دفار) من العملة المحلية إلى عمارة الذهب القابعة وسط العاصمة لشراء كل جرام معروض وبأسعار مغرية، فكانت النتيجة تجفيف السوق الرئيسة للذهب من المعدن النفيس، وبصورة مباشرة انعكس ذلك في ارتفاع سعر الذهب بصورة غير مسبوقة، بعثت الحكومة وعبر واجهتها الشرطة المدللة كميات كبيرة من الكتلة النقدية لشراء الذهب بأسعار لا يقوى تجار الذهب والصاغة على مجاراتها.
ليس هناك من توصيف إلا مفردة الاحتكار السالب الذي يدفع ثمنه المواطن البسيط، وعلى وقع عملية كهذه قفز سعر صرف الدولار من (107) إلى (120) ولكم أن تتخيلوا حجم الفارق الذي لم يسجل في يوم من الأيام هذه النسبة الكبيرة، أياً كانت الأسباب التي دعت الحكومة للإقدام على هذه العملية الغريبة، فإنها غير مبررة، لأن وزارة المالية والبنك المركزي يضعان أنفسهما في خانة المضارب غير الكفء، وعجز الصاغة وتجارة الذهب أمام هذه الموجة العاتية من الاحتكار السالب فلم يستطيعوا أن يخوضوا معركة غير متكافئة، رغم أن العملية لم تجرِ في ملعب الخصم، وهو الحكومة، حيث إن مجمع الذهب هو ساحة العملية.
وكما أسلفت ربما يكون هناك دافع خفي للحكومة للإقدام على هذه الخطوة تحت فتوى فقه الضرورة، الذي يمكن أن يدعو المريض للجوء إلى شرب لبن الحمير بغرض العلاج، رغم الحرمة الواضحة والصريحة، فالبعض اعتقد أن هذا الدخول غير القانوني للحكومة في سوق الذهب هو بغرض توفير العملة الأجنبية التي تطلبها الشركات العالمية لجلب الدواء والدقيق والمحروقات، ونحن نعلم أنه وخلال الأيام الماضية اضطرت البواخر مغادرة ميناء بورتسودان بسبب عجز الحكومة أو وزارة المالية عن دفع استحقاقات تخليص الشحنة .
لو كان هناك برلمان قائم، فإن ما أقدمت عليه الجهات الحكومة خطأ فادح يستوجب من المسؤول مغادرة المواقع، زمن السياسيين اعتزال العمل السياسي، إذ كيف للحكومة أن تكون هي المتنافس غير المتكافئ، بما تتمتع به من إمكانيات في مقابل تجار بعضهم محدودو رأس المال تزاحمهم الحكومة في “كارهم”، ارتفع سعر صرف الدولار إلى هذا الحد فهل هناك ما هو معين لكي يعود سعر صرف الدولار إلى النحو المطلوب؟.. والله المستعان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية