هل فشلت صحافة الحكومة؟ (24)
مازلنا نتحدث عن صحافة الحكومة، وكل الذي سطرناه في الحلقات السابقة من الذاكرة، لم نستعن بأية معلومات مدونة، ربما غابت عنا بعض المعلومات أو أغفلنا بعضها، لذلك دائماً نعود للوراء في أحداث ووقائع لتلك الصحافة إن كانت في صحيفة (السودان الحديث) أو (الأنباء)، ولم ندخل حتى الآن صحافة الحكومة إبان العهد المايوي خاصة صحيفة (الأيام) و(الصحافة).
نواصل حديثنا ونرجع إلى صحيفة (السودان الحديث) التي كانت مؤسسة صحفية، صحيح كانت تحت رعاية الحكومة، لكنها من حيث المهنية كانت صحيفة لكل الناس حكومة ومعارضة، استطاعت أن تحقق نجاحاً كبيراً من حيث التوزيع والإعلان، كانت لها مطبعة خاصة ربما ورثتها من زمن جريدة (الصحافة) التي كان يمتلكها الراحل “عبد الرحمن مختار” الذي أسسها في عام 1961م، فآلت إلى الحكومة بعد التأميم في عام 1970م، كانت بالصحيفة بيئة ممتازة من حيث المكان، كانت المطبعة موجودة داخل المبنى، بها العديد من الكفاءات والطبعين، كانوا على خلق مثل “عباس بخيت” و”بدر الدين” و”أشوط ابيل” و”عابدين” و”محمد عبد الله” و”النصيح” و”لوكا” و”أحمد عبد الحفيظ”، الذي كان يشغل منصب مدير المطبعة و”وليم”.
كانت الصحيفة تطبع يومياً ما يقارب الـ(67) ألف نسخة على الرغم من أنها كانت تمثل الحكومة، إلا أنها كانت تتسم بالموضوعية والاستقلالية وشبه الحرية، أو استفادت من مساحة الحرية آنذاك، فاستطاعت أن تقدم مادة صحفية لامست قضايا ومشاكل المواطنين، وانفتحت على المجتمع وقادت مجموعة حوارات مع الرموز السياسيين والقيادات مما جعلها محط أنظار المواطنين، بجانب تأسيس الصحيفة لمكتب إعلان داخل المؤسسة الصحفية، كان على رأسه مولانا “يوسف” و”صلاح الشريف” الذي هاجر إلى دولة الإمارات، ومولانا “حمزة” بزيه المميز الجلابية والعمامة والشنطة التي لا تفارقه، بجانب عدد من الزملاء الذين لم تسعفني الذاكرة، خاصة عند الكتابة من الذاكرة قد تغيب الأسماء في لحظات، إلى جانب وجود إدارة التوزيع، وكان أيضاً بها عدد من المميزين، كانت إدارة الصحيفة تقوم بتوزيع الصحيفة بنفسها داخل ولاية الخرطوم، بالإضافة إلى عربات تخرج بعد الطباعة مباشرة إلى الولايات، وهي تتبع للصحيفة، كانت توزع عند الصباح، وعند الظهيرة تعود لاستلام قيمة الذي وزع، وهذا جعل للصحيفة مالاً متوفر ساعدها على الاستقرار، فكان العاملون يصرفون مرتباتهم ابتداءً من التاسع والعشرين من الشهر، وبعد أسبوع تبدأ عملية التسليف، هذا إلى جانب بدل الوجبة، وأحياناً شراء الإجازات وبدل السفرية وبدل اللبس وبدل العلاج والعمل الإضافي. حققت هذه المؤسسة ربحاً كبيراً، لذلك لم يشكو صحفي من تأخر مرتبه أو أجره الإضافي، كل الصحفيين كانوا يعيشون في بحبوحة من العيش.
(السودان الحديث) ساعدت في استقرارها الإدارة التي كان يتولاها الأستاذ “عوض صالح الكرنكي” المدير العام و”فضل المرجي محمد الخليفة” نائبه، بالإضافة إلى الشيخ “يس عمر الإمام” والذي كان يمثل حكومة بمفرده، كان يقصده كل الوزراء ووزراء الدولة والولاة وكل طالب وظيفة أو استوزار، لا أنسى في أحد الأيام عندما جاءني الساعي “محمد المهدي” والسكرتيرة” ليلى” يقولا لي أن الشيخ “يس” يطلبني، فذهبت على عجل فوجدت معه الدكتور “الحاج آدم يوسف” نائب رئيس الجمهورية الآن، لا أذكر إن كان وقتها في موقعه كوالٍ للشمالية أم لا، عندما دخلت على شيخ “يس”، طلب مني أن أجري معه حواراً كاملاً، وبالفعل جلست مع الدكتور، ولم يمضِ شيخ “يس” معنا كثيراً استأذن وخرج، وواصلت حواري مع الدكتور.
نواصل