هل فشلت صحافة الحكومة؟ (23)
من أكثر الأقسام في الصحف مشاكل قسم الإخراج أو تصميم الصحيفة، فالفنيون لديهم رؤاهم المختلفة وأحياناً يحاولون إقناع المسؤولين داخل الصحيفة بوجهة نظرهم هذه إن كانت فعلاً صواباً أو خطأ، وأحياناً لا يقبلون النقد أو التوجيه، وهذا لا ينطبق على الكثيرين فهناك فنيون يتجاوبون إما مع محرر السهرة في وجهة نظره أو مع صاحب الصفحة إن كانت حواراً أو تحقيقاً أو تقريراً.
ففي صحيفة (الأنباء) آنذاك جاء عدد كبير من الفنيين أمثال “بكري خضر” و”عبد المحمود” و”علي” و”أحمد أبو شنب” وعدد آخر من القادمين إما من صحيفة (الإنقاذ) أو (المخبر) او (سودان ناو) وكانوا أصحاب طبائع مختلفة ومشارب مختلفة وربما ألوان سياسية مختلفة، ولا ننكر أن جميعهم كانوا مميزين ولكن لهم عالمهم الخاص ومزاجهم الخاص في الشغل، لذلك حاولت مجموعة منهم الاعتداء على سكرتارية التحرير التي كانت تضم الأخ “عباس مصطفى صادق” و”ياسر علي الطاهر” وشخصي. مجموعة ربما لم يرضها تجاهل الأخ “عباس” لبعض مطالبهم ولم ينفعل بها ولم يخبر الإدارة بها، لذلك اقتحموا المكتب وحاصروه وزنقوه زنقة كادت تخرج روحه فانتفض وثار ثم نفد بجلده، فما كان مني والأخ “ياسر” إلا أن ضحكنا على الرجل صاحب الجسم الكبير وهرولته من أولئك الفنيين ولا أعتقد أنهم كانوا سيمسون منه شعرة، ولكنها كانت حالة من الإرهاب أو التخويف إن صح التعبير، ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة فبعد فترة ونفس المجموعة أحست بأن مشاكلها لم تحل ولا حل إلا بالضرب المعلن أو الخفي، وفعلاً جاءت المجموعة وبدأت العمل ولكنها بدأت تتلاعب في الأجهزة وكأنها تعمل حتى كاد أن ينتصف الليل وليس هناك صفحة قد تم تصميمها، فاعتبر الدكتور “أمين حسن عمر” رئيس مجلس الإدارة أن ما قامت به مجموعة الفنيين محاولة إضراب فجمعهم وتحدث معهم حديثاً عنيفاً وربما خيرهم بين العمل أو الذهاب، وبالفعل لم تستمر تلك المجموعة كثيراً بالصحيفة فآثرت أن تذهب إلى صحف أخرى، وحقيقة أن (الأنباء) كانت مدرسة وكان بالإمكان أن تكون من أفضل الصحف التي تصدر بالخرطوم خاصة وأنها كانت تضم عناصر متنوعة إن كان في التحرير أو المكتب الفني. ولكن مشكلة الفنيين يطالبون بحقوقهم أولاً بأول وأي تأخير يعلنون التمرد الخفي، رغم أن إمكانياتهم وقدراتهم الفنية عالية، ولذلك يعتبرون أن عالمهم لن يستطيع أحد ولوجه وأن عملية الإخراج الصحفي مدارس مختلفة فإذا فعل شيئاً كأنه منزل فلا يسأل أو يراجع فيه، فهذه المدرسة الفلانية في الإخراج وإن كان الإخراج سيئاً.. وهناك عالم آخر هو عالم الجميعين فرغم أن الجمع عن طريق أجهزة الحاسوب دخل حديثاً على الصحافة الفنية، فهؤلاء أيضاً عالم آخر فكانت هناك مجموعة إذا لم تستطع قراءة خط محرر أو كاتب تتجه إلى مادة أخرى لطباعتها وإن كانت التي لم يستطع الجميع قراءتها ذات أهمية عن تلك فلذلك تختفي المادة تماماً ويدعي الجميع أنه لم يرها أو يشاهدها أو تسلمها فتبدأ رحلة البحث عن مادة الكاتب الفلاني وكانت مادة البروفيسور زكريا بشير امام يصعب على بعض الجميعين قراءتها ولذلك نحن في مشكلة عن تلك المادة وأين اختفت حتى تم استدعاء البروفيسور “زكريا” لمتابعة مادته، ولكن كثيراً من المواد تختفي بتلك الأسباب.. أما مجموعة التصحيح التي كان على رأسها الراحل “فتحي محمد أحمد” و”فائزة نور الدين” وآخرون كانوا حريصين ودقيقين فإذا لم يستطيعوا قراءة فقرات أو عبارات أو كلمات كانوا يأتون إلى المحرر لمعرفة معنى الكلمة أو ماذا يقصد، ولذلك لم تكن هنالك مشكلة كبيرة في التصحيح.
نواصل