في أعقاب كل حكومة شمولية يبدا الصراع بين الإسلاميين والشيوعيين، والصراع أحياناً لا مبرر له، فبعد ثورة أكتوبر ادعى الإسلاميون أن الشيوعيين سرقوا السُلطة من الشعب، وبدأ الشتائم بين الطرفين، حتى أضعنا الفرصة التي جاءت إلى الجميع على طبق من ذهب، ليمضي السودان إلى الآمال ولكن الخلافات بينهم لم تمكن الحكومة التي حلت على تنفيذ برنامجها، ثم ضاعت الديمقراطية وحل النظام المايوي وتغلغل الشيوعيون في النظام المايوي وكانوا السند والعضد، ثم جاءت ضربة الجزيرة أبا وود نوباوي.. فاتهم الإسلاميون الشيوعيين بأنهم من وراء تلك المجازر، ثم ضربة بيت الضيافة تلك المجزرة التي لا أحد حتى الآن يعلم من هم منفذو تلك المجزرة، رغم أن الإسلاميين يرمون اللوم على الحزب الشيوعي وأنه السبب الأساسي فيها، لم تهدأ الاتهامات بين الطرفين، فكل طرف يحاول أن يجرم الطرف الآخر بجرائم قد لا يكون لها أساس ولكنها مكايدات سياسية ومحاولة لإفشال الطرف الآخر.. بينما العمل الذي من المفترض أن يمشي إلى مصلحة الشعب لا وجود له، وظل الصراع بينهم إلى يومنا هذا، فبعد أن تم التغيير واتضحت معالم الدولة المدنية بدأ الإسلاميون من جديد في ضرب وتر أن الشيوعيين هم من ضربوا بيت الضيافة، وهم من قتلوا الأنصار في ود نوباوي والجزيرة أبا، حديث لا فائدة منه.. فالشعب الذي عانى من حكم الإنقاذ ومن الفساد الذي صاحب فترة الثلاثين عاماً من المفترض أن تمتد الأيادي إسلاميين على شيوعيين لإنقاذ البلاد من الحالة المتردية والحالة الاقتصادية المنهارة، ولكن للأسف مازال الصراع محتدماً ومازالت تلك النغمة القديمة، فالحكومة التي لم يمضِ على تشكيلها شهراً بدأ العراك والشتائم والسخرية بينهم، فالإسلاميون يسخرون من وزيرة الخارجية التي غابت عن العمل التنفيذي لما يقارب الثلاثين عاماً يسخرون من أنها لم تكن على المستوى المطلوب في المقابلة التي أجريت معها امرأة دخلت الخارجية بإمكانياتها وقدراتها واستمرارها في العمل الدبلوماسي لفترة من الزمن هل يتوقع أن تكون بنفس المستوى من حيث الخطابة أو اللغة الانجليزية طوال تلك الفترة التي بعدت عنها عن العمل، فجل وزراء الإنقاذ حينما جاءت الإنقاذ لم يكونوا على معرفة بالخطابة أو الحديث إلى القنوات الفضائية، هل سمعتم حديث “يوسف عبد الفتاح” في بداية الإنقاذ (من أراد أن تثكله أمه)، كما نحن في العهد الجاهلي، حتى الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” لم يكن من الخطباء ولا “بكري حسن صالح” وكثيرون من حُكام الإنقاذ كانوا يتهربون من الأجهزة الإعلامية، إلا من رحم ربه، فهل الخطابة أو الحديث بطلاقة إلى الفضائيات دليل على العلم والمعرفة؟ الآن الإسلاميون يحاولون أن يسخروا من هذه الحكومة، وكأنهم يريدون فشلها قبل أن تكمل فترتها، إذا ظل الإسلاميون والشيوعيون في هذا الصراع الشخصي فلن تتقدم البلاد شبراً واحداً إلى الأمام، فكفى صراع وتناحر فعلى الجميع أن ينظروا إلى مستقبل هذا الوطن وإلى هذا المواطن الذي هلكته نيران الأسعار، أن تأخر السودان يرجع السبب الأساسي فيه إلى هذين الحزبين، فإن لم يرتفعا إلى مستوى المسؤولية سنظل في تلك الدوامة التي لن تنتهي.