لم أتردد إطلاقاً في الاستجابة لدعوة كريمة قدمتها لي الأخت الأستاذة “فاطمة الصادق” لمرافقة القافلة التي يقودها السيد “أشرف الكاردينال” إلى أهلنا المتضررين بالأمطار والسيول في مدينة الجيلي، لأنني كنت على يقين أن “الكاردينال” لن يذهب إلى الجيلي إلا وهو عازم على أن يدعم المنطقة دعماً سخياً، وكنت واثقة أنه سيضيف إلى رصيده الإنساني الذي لا ينكره إلا مكابر، رقماً ضخماً من العطاء اللا محدود، والرجل منذ أن دخل العمل العام يجسد عبارة (ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر)، وقد ظل حاضراً في كل مناسبات الوطن أفراحه وأحزانه شريكاً لأهله في الابتسامات والدموع، ابناً باراً وشقيقاً وأخاً شيال تقيلة.
وبالفعل تحركنا صباحاً نحو الجيلي، وما كنت أتخيل أن حجم الدمار بهذا القدر الكبير والوضع على الأرض مختلف تماماً عن ما تنقله الأخبار والكاميرات ومعظم البيوت مهدمة تماماً، والتي نجت من الكارثة تبقت لها غرفة أو مظلة متواضعة تحكي عن حجم المأساة، ورغم ذلك أدهشني مواطنو الجيلي ومواطناتها وشبابها الأخضر وهم يتبارون لاستقبال الضيوف ويتسابقون لإكرامهم ونسوا تماماً الوضع الصعب الذي يعيشونه ويتعايشون معه، ولكأنهم في عرس كبير!!.. ودعوني أقول إن مأساة بهذا الشكل يصغر ويقل أمامها أي دعم يمكن أن تقدمه مؤسسات خاصة أو تتصدى له الدولة نفسها، لذلك ظللت أسأل نفسي ما الذي يمكن أن يفعله “الكاردينال”.. ما الذي سيقدمه لأهل المنطقة؟.. ليس فقط بحجم الكارثة، ولكن ما الذي سيقدمه لهم بحجم العشم؟.. وعيونهم كانت تفضح آمالهم العريضة في دعم رجل ما تأخر عن نداء واجب ولا تراجع عن فزعة وطن.
وسرعان ما جاءت الإجابة على لسان الرجل الذي تبرع لمستشفى الجيلي بأربعة مليارات جنيه هو أكثر من نصف المبلغ المقدر لإنشائه، وتبرع ببناء مدرسة كاملة للمنطقة، ثم جاءت اللحظة التي تسابق وتنافس فيها كرم “الكاردينال” مع كرم أهل الجيلي، وقد أعلن الرجل أنه متكفل ببناء عشرة منازل لأكثر الأسر تضرراً، فما كان من الأهالي إلا وأن طالبوه ببناء غرفة واحدة لكل المتضررين، في لفتة أكدت أن السودان بخير وأن أهله (يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، يتقاسمون الحياة بحلوها ومرها بلا أنا ولا أنانية، ليصبح مجمل اللوحة جمالاً سودانياً خالصاً يخطف الأبصار.
ودعوني أقول أيضاً إنني وبحاسة الصحفي التي تلتقط ما حولها من ذبذبات، ظللت أراقب الأخ “أشرف الكاردينال” وقد كنت أجلس خلفه مباشرة، كيف أن الرجل ظل حريصاً على السلام وقوفاً وبحرارة على معظم الضيوف والحضور، يبادلهم الابتسامات والتعليقات بلا تكلف ولا طنقعة، كأن الرجل يرسل رسائل للحضور أنه يجلس بينهم مثل ما يجلس الابن وسط أسرته، هو منهم وبهم مهما علا شأنه أو تضخمت أرصدته، وهذا ما يجعلني أسأل كيف لرجل يحمل كل هذا الخير لوطنه والمحبة لمواطنيه، كيف له أن يتعرض لحرب الإشاعات والاتهامات الجائرة ومحاولات الهدم البغيضة والرجل ما انتمى إلى مكان إلا وأضاف إليه، والهلال شاهد على ذلك وقد أعلن حبه له بطريقته على الملأ إنجازات غير مسبوقة تضاهي عين الشمس، والرجل ما دعيّ إلى نفير إلا وكان حاضراً في الصف الأول ومتقدماً الصفوف مثل ما فعل أمس في الجيلي، وقبلها في عديد المدن والقرى والحلّال، لذلك يكفي الرجل أنه أرضى أهله وشعبه وضميره، وحسب الرجل الدعوات الصادقات التي رددتها ألسنة الحضور بلا تحريض ولا تحشيد، فقد كان دعاء صادقاً من قلوب صادقة لا تعرف الكذب، فلله درك وكتر من أمثالك.
} كلمة عزيزة
تخيلوا معي لو أن كل واحد من رجال المال والأعمال تبنى قضية مجتمعية وعمل على حلها بقدر ما تمكنه إمكاناته، تخيلوا معي كيف سيكون هذا الوطن جميلاً ومعافى، تخيلوا معي لو أن بعض الذين اختبرهم الله بالثروة، تركوا البخل والانغلاق على الذات، وبعضهم للأسف يعيش في قوقعة نفسه وكأنه لا يدري أن المال يزول وتبقى مواقف الإنسانية والرجولة.
} كلمة أعز
واضح أن الحكومة السابقة قد أجرمت تماماً في حق الريف الشمالي لولاية الخرطوم، والناس للأسف تفتقد أبسط البنى التحتية وكأنها قد سقطت من ذواكر ودفاتر حضرات السادة المسؤولين ربنا يسامحهم.