هل فشلت صحافة الحكومة؟
على الرغم من أن صحيفة (الأنباء) كانت تمثل الحكومة وقتها، ولكنها في نفس الوقت كانت تستوعب غير المنتمين للنظام بمعنى أنها كانت صحيفة مهنية من الدرجة الأولى، وساعد في مهنيتها الدكتور “أمين حسن عمر” رئيس مجلس الإدارة لما لديه من خبرة وتجارب سياسية أهلته لأن يستوعب الآخر. وأذكر أن الدكتور “أمين حسن عمر” وعلى الرغم من تشبعه بالماركسية أو الشيوعية في بداية حياته، ولكن حينما انتقل إلى الحركة الإسلامية لم يتنكر للشيوعيين أو يكيل لهم السباب والشتائم بل استوعب من وجد فيه إضافة لتلك المهنية. وأذكر أنه استوعب الأستاذ الراحل “الوليد إبراهيم” وهو من الأقلام الصحفية الممتازة، وكانت له لغة إنجليزية رصينة بجانب مهنيته الصحفية العالية رغم أنه كان يمثل اليسار وعمل بصحيفة (الأيام) منذ وقت مبكر مع الأستاذ “محجوب محمد صالح”، وأذكر في عام 1988م- إن لم تخنِّ الذاكرة- كان الصحفي الوحيد الذي قابل الراحل الدكتور “جون قرنق” بكمبالا فأجرى معه حواراً مطولاً إبان الديمقراطية الثالثة، وسجل الحوار في شريط فيديو، ولكن ظروف المرحلة أو أن الجهات المسئولة بالتلفزيون لم توافق على بثه، وكان ذلك أول حوار يُجرى مع الدكتور “جون قرنق” قبل أن تدخل الحكومة في مفاوضات معه. فهذا هو الدكتور “أمين حسن عمر” ليبرالي من الدرجة الأولى، ولكن مشكلة الدكتور “أمين” مع المال فكان يخشى الوقوف أمام بوابات المسئولين يطلب مالاً للصحيفة، صحيح سبق أن قدم خطته واحتياجاته وعندما فشل في ذلك بدأ في بيع بعض الدور التي كانت تخص الدولة مثل دار التوزيع التي كانت تخص جريدة (الأيام) إبان فترة مايو، فكانت فيها إدارة التحرير ممثلة في رئيس تحريرها الراحل الأستاذ “حسن ساتي” والدكتور “تيتاوي” والأستاذ “أحمد البلال الطيب” والدكتور “مرتضى الغالي” وكل تيم الأيام خلال تلك الفترة حتى انتفاضة رجب أبريل 1985م، “عثمان عابدين، “هاشم كرار”، “هاشم عثمان”، “أسامة سيد عبد العزيز”، الراحل “عمر عبد التام”، الأستاذ “الريفي”، الراحل “محمود شمس الدين”، “ميرغني أبو شنب”، “مصطفى أبو العزائم”، “النحاس”،”عمر إسماعيل”، “عوض أبو طالب”، “عواطف صديق”، “إنعام محمد الطيب”، “نفيسة أحمد محمد”، “صباح محمد آدم”، “بدر الدين” رسام الكاركتير، “زين العابدين أحمد محمد” رحمة الله عليه، “عابدين سمساعة” رحمة الله عليه” ، “عمر إسماعيل”،”عبد الرحمن الأمين” و”زمراوي”.. المبنى كان له تاريخ في الصحافة السودانية، إذ كان يستوعب جيلاً من الصحفيين منهم من هو موجود الآن داخل السودان وآخر في ديار الغربة. فالدكتور “أمين” لم يجد حلاً للمشكلة المالية إلا ببيع تلك الدور ثم دار صحيفة (الصحافة) التي كانت مملوكة للراحل “عبد الرحمن مختار”، ولكن بعد التأميم ظلت تدار من قبل الحكومة، فكان يشغل منصب رئيس تحريرها الأستاذ “فضل الله محمد” وكان معه الراحل “شريف طمبل” والراحل “توفيق صالح جاويش” و”أحمد عمرابي” و”حسن أبو عرفات” و”راجي” و”محمد الشيخ حسين” و”فيصل محمد صالح” و”راشد عبد الرحيم” وعدد كبير من الأخوة الصحفيين كانوا بتلك الدار التي تحولت إبان فترة الإنقاذ إلى صحيفة (السودان الحديث) فتم بيعها لتغطية متطلبات العمل الصحفي التي فشلت الحكومة في مد الدكتور “أمين حسن عمر” به.
إن الدكتور “أمين” انتدب الأستاذ “سليمان عبد التواب” الذي كان يعمل بوزارة الخارجية للعمل بالصحيفة في وظيفة مدير تحرير والأستاذ “سليمان” أيضاً كان يتمتع بحس صحفي كبير ورغم أنه من الإسلاميين، إلا أنه كان مثله مثل الأستاذ “أمين” مهنياً من الدرجة الأولى ولا يتأثر بما ستفعله الحكومة إذا تجاوز الحدود السياسية، ولذلك كان قوياً في قراراته وكان يتمسك بها كثيراً.. وأذكر من ضمن المواد التي مرت عليه للمراجعة وإجازتها للنشر كانت مادة عن الدكتور “جون قرنق” فأجازها رغم أن الدكتور “قرنق” كان ما زال ممسكاً بالبندقية وهذه صحيفة تتبع للحكومة ومن المفترض أن تتحفظ الصحيفة على نشر المادة، ولكن “سليمان” بشجاعته مررها فنزلت فأثارت جدلاً كثيفاً وانفتح الباب للحوار، ثم مرر مقالات للأستاذ “أحمد عبد الله حنقة” مراسل عدد من الصحف العربية فتناول في مقالاته التي سمَّاها رسالة للزعيم، فكانت الرسالة الناقدة الأولى للإمام الصادق المهدي” ثم السيد “محمد عثمان الميرغني: وأخرى للدكتور “الترابي” ولكن رئيس التحرير الأستاذ “السر حسن فضل” تحفظ على الرسالة الموجهة للترابي فثار الأستاذ “سليمان” إلى أن احتكما للدكتور “أمين” وظن الأستاذ “السر” أن رأي الدكتور سيكون إلى جانبه باعتبار أن “أمين” تلميذ “للترابي” ولكن دكتور “أمين” وقف مع حرية النشر ونشرت المقالة التي وجهت نقداً للدكتور “الترابي”.
نواصل (الأحد) المقبل..