ينعم حجاج هذا العام بتلك الشعيرة الدينية التي بُني عليها الإسلام، ويتمنى كل مسلم أن يكون قد أكمل دينه بها، فالحج ملتقى ديني يتجمع فيه المسلمون من كل بقاع الدنيا، كل يمني النفس أن يكمل دينه قبل أن يلقى الله، لذا تجد أبناء آسيا وهم من المحبين لرسول الله، فيظل الواحد منهم يجمع في المال من أجل تلك الشعيرة، واذكر وأنا مازلت فتى يافعاً رأيت في المنام أنني أصلي بالقرب من مقام سيدنا “إبراهيم” ووقتها لم أرَ المقام ولم يخطر على بالي تلك الدولة التي يذهب إليها كل أهل الأرض لأداء تلك الشعيرة الدينية، فصحوت من النوم فقلت لوالدي -رحمه الله- إنني رأيت في المنام أنني أصلي بالقرب من مقام سيدنا “إبراهيم” فقال لي إن شاء الله تذهب، فمضت السنين وذهبت إلى الدراسة بجمهورية مصر العربية، وأنا في السنة الثانية أو الثالثة فإذا باتحاد الطلبة السودانيين يعلن عن عُمرة رمضان لكل طلاب الجمهورية من الطلبة السودانيين، فتقدمت ضمن المقدمين وفي يوم إعلان أسماء الفائزين حيث أجريت القرعة بنادي الوافدين لثلاثمائة مقدم، مطلوب منهم ثلاثين شخصاً وكنت من ضمن الثلاثين، فكانت فرحة ما بعدها فرحة، وعندما ذهبت إلى الحرم وجدت المقام كما رأيته في منامي قبل عدة سنوات، ومن ثم توالت زياراتي إلى المملكة لأداء العُمرة وكان العام 1991 هو العام الذي حباني المولى فيه بأول حجة كنت وزوج ابنة عمي ووالده فذهبنا قبل الوقوف بعرفة بيوم أدينا طواف القدوم ومن ثم ذهبنا إلى عرفات لأداء الركن الخامس من الإسلام والحج من أعظم العبادات، فتسمو فيه روح الإنسان ويرجع كما ولدته أمه، وها هو العام 1440 من ذي الحجة فقد منا المولى علينا بهذه الحجة التي كتبها لنا الله دون أن ندري ويقول أهلنا المنادي إذا ناداك لن يقف في طريقك شيء، إن المملكة العربية السعودية قد حباها الله سبحانه وتعالى بهذا المنسك الذي أحسنوا فيه ضيافة عباد الرحمن من كل بقاع الدنيا، الذين يفدون وهم يحملون هذا الدين العظيم في سويداء قلوبهم لقد قامت المملكة العربية بعمل جليل خدمة للعباد دون من أو أذى، لقد شهدت المملكة طفرة كبيرة في كافة المجالات وطفرة خاصة في مناسك الحج في الحرم المكي وفي منى ومزدلفة وعرفات فمن حج قبل أعوام فلن يصدق تلك الطفرة الكبيرة التي أدخلتها المملكة على تلك المناسك فلأن سيرت المملكة قطاراً من مكة إلى المدينة، وهذا قد أراح كثير من الحجاج من تلك المعاناة فالقطار وفر زمنا لهؤلاء الحجاج للعبادة، بالإضافة إلى منطقة رمي الجمرات والتي كانت واحدة من الصعاب التي تواجه المملكة والحجيج كل عام، فالآن أصبحت الجمرات من السهل رميها دون معاناة من الأعوام السابقة التي راح ضحيتها عشرات الحجاج بسبب الزحام، كما جرت توسعة كاملة للحرم المكي سهل على الحجاج أداء الطواف والسعي بسهولة، إن العمل الكبير الذي قامت به المملكة لراحة ضيوف الرحمن لا يقارن بأي عمل دنيوي آخر، فالحجيج الذين يصعدون جبل عرفات يوم السبت القادم إنه لمشهد عظيم يتمنى كل إنسان أن يكون في هذا اليوم العظيم فالنفس تهفو والحناجر تكبر بالتلبية لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.. فنسأل الله أن يتقبل من الجميع حجهم وأن يعودوا إلى أهلهم سالمين غانمين.