تشهد ولاية الخرطوم عملية اتساخ في كل مناطقها ولا نستثني منطقة من الأخرى وزاد من اتساخ الولاية عمليات الحراك الأخيرة إبان ثورة الشباب، التي استخدم فيها إطارات السيارات فازدادت من عملية التلويث بالشوارع ورغم عملية الاتساخ الواسعة، ولكن لا المحليات ولا المعتمدين تحركوا لإزالة هذا السواد الذي غطى أجزاء واسعة من طرق الأسفلت، فالولاية قبل التغيير كانت تعاني من كثرة النفايات وظلت عربات النفايات تتأخر بالأيام والأسابيع حتى استعان السكان بعربات الكارو لنقل نفاياتهم طالما المحليات غطت دي بطينة ودي بعجينة، حينما لاحظت إلى هذا التلوث بالمدينة استرجعت التاريخ عندما كنا صغاراً فكنا نشاهد نساء ود نوباوي وهم يعملون على نظافة الشوارع بأنفسهم وهنا اذكر تلك السيدة “سعاد حكم الله” وهذا هو اسمها وهي من نساء ود نوباوي الذين ظلت صورهم في الأفئدة والقلوب فقد كانت تلك السيدة متعها الله بالصحة والعافية، فقد كانت تعمل على غربلة الرمال بمنطقة سكنها بعد أن تزيل الأوراق وكل ما يمت إلى النفايات بصلة، كانت تأتي بغربال وتضع فيه الرملة وتعمل على غربلته وكأنما تعمل على غربلة العيش من النفايات التي بداخله، وبعد الغربلة تقوم بفرش الرملة لتغطي كل أجزاء منطقة سكنها ومن ثم تقوم برشها بالماء لتصبح منطقة خالية من أي تلوث أو أي نفايات، وحتى إذا وضع لك فيها الطعام لما عُفته، هكذا كان نساء ود نوباوي ولم نستثني الرجال فقد أخذ هذه الصفة الدكتور “سيد زكي” أول وزير مالية في عهد النظام السابق، فقد تزوج الدكتور “سيد زكي” من إحدى حسان ود نوباوي ووقتها كان موظفاً كبيراً بوزارة المالية، كان الدكتور “زكي” يحرص على نقل ماء (البلاعة) بنفسه ويوزعه على الشارع بصورة لا تدع أي بركة أو يلوث الماء الطريق، لقد كانت النظافة واحدة من السمات البارزة لدى سكان ود نوباوي وحرص الجميع عليها نساءً ورجالا فـ”سعاد” واحدة من عشرات النساء اللائي يعملن على نظافة المنطقة التي تحيط بسكنها، وحتى الذين انتقلوا من ود نوباوي إلى مناطق الثورات القديمة الثانية والرابعة والخامسة والأولى ظلت تلك السمة متوفرة لديهم.. فالصغار والكبار يحرصون على نظافة منطقتهم بصورة مميزة، فإذا مررت بتلك الشوارع تجدها واضحة وربما لا تصادفك ورقة طوال فترة الأسبوع وأنت بتلك الأحياء، فالنظافة ليست مكتسبة ولا أحد يتعلمها وإنما تنشأ معه من الصغر، فالانجليز علموا أهل السودان كيف تطهر المناطق من النفايات.. فالأسواق كانت تغسل بالماء والصابون، فالذين شاهدوا زنك اللحمة بسوق أم درمان أو سوق الخضار فكانت تلك واضحة لكل مرتادي السوق.. فبعد انتهاء اليوم تلاحظ البلدية بدأت في غسل السوق بالماء والصابون حتى أجزاء واسعة من الطرقات كانت تغسل بالصابون بالليل، فما نراه الآن في الدول العربية أو الغربية فقد لاحظناه في السودان منذ عشرات السنين، فهل التحول الذي طرأ على البلاد يمكن أن يعيدنا إلى الزمن الجميل، ويعيد الأسر إلى نظافة مناطقها دون أي تدخل من الجهات الرسمية البلدية أو المعتمدية، حتى تعود إلينا (سعاد حكم الله) من جديد مع بداية هذا الفجر الذي بدأت بشائره تلوح علينا.