*الجرد الحقيقي الموضوعي للحقب الديمقراطية في السودان، ينتهي بنا في آخر سطوره إلى وصفها بأنها كانت (مربداً سودانياً) للصراعات السياسية والكلام المتطاير هنا وهناك والكساح في الإنتاج، ثم أخيراً (الإحباط العام) ولهيب الشوق لجنرال ودبابة يخلصان البلد من ذلك الموات الوطني والسياسي …والصحيح أن (البزة العسكرية) ظلت هي المفتاح الأول للديمقراطيات، فما كان من الممكن أن تنجح ثورات أكتوبر 64 وأبريل 85 وأبريل 2019 لو لم يكن الجيش حاضراً في ميادينها يحميها ويراقبها ويدرس اللحظات الحاسمة لنقل السلطة للشعب…
ذات الجيش الوفي لشعبه، ظل هو (المخلص) من توهان الديمقراطيات في وحل الفوضى والصراعات والتهتك الأمني، وفي كل الانقلابات العسكرية كانت الكثرة الغالبة من الشعب (ترتاح) لمجيئها وتساند حراكها الوطني فيزدهر الإنتاج ويعم الانضباط ويفرهد الأمن موفور الصحة والعافية وتتبختر السيادة الوطنية تيهاً ودلالاً على الأرض الولود…
إذاً لم تكن الانقلابات العسكرية (خصاماً) مع الديقراطية، بل كانت إطلاقاً لسراح البلد والشعب من مخاطر الفوضى وتدهور الأمن
وغياب الإنتاج وتهديد السيادة الوطنية وإيقاف مد الحروب الأهلية ووضع النهاية لها، وبالفعل ورغم وجود إخفاقات فقد كانت (النجاحات) أكبر مساحة منها؛ فكل مظاهر التنمية وتطوير الخدمات وتقليص الضائقات الاقتصادية وفرض الأمن وهيبة سيادة الدولة، كانت ملامح مميزة لعهود حكم العسكر!!
في ظل الراهن السياسي، تصدر (دعوات ساذجة) من البعض تطالب بمحاكمة من نفذوا انقلاب يونيو1989 الذي أنهى فترة الديمقراطية السابقة… إنه عين (الانصرافية) عن التحديات والواجبات الأهم التي يجب إنجازها لصالح الشعب، ثم أين هي تلك الديمقراطية (المثالية المنتجة) التي بكي الشعب علي رحيلها حتى يمكن أن نحاكم لأجل عيونها قادة النظام السابق؟! هل يعني هذا أن نحاكم الراحلين “عبود” و”نميري” في قبريهما ومعهما آخرون حاولوا وفشلوا؟!…أليس من (المضحك المحزن) أن نسمع هذه الدعوة الغريبة من البعض وهم كانوا حتى آخر يوم في عهد النظام السابق، زوّاراً ومشاركين بلا انقطاع في ساحاته، ومقربين لوزراء ومسؤولين كبار ومديرين سوامق ، وقد نالوا ما نالوا من (حظوات ومكرمات) ولم يتذكروا حينها أنهم يستمتعون بالكرم الحاتمي في ظل نظام جاء بانقلاب عسكري؟! أليس هو النفاق والعار والتمسح بجوخ القادمين الجدد تمهيداً لمنافع خاصة يترقبونها ويتزينون لها بكل هندام ممكن؟!
*لماذا يصرّ البعض على (تلويث) كل تغيير بأجندة لا قيمة لها ويتعمدون شطب الأنظمة السابقة من تأريخنا الوطني ولا يذكرون لها حسناتها في مجالات كثيرة معروفة؟!
وهل يعلمون أن مثل هذه المحاكمات لو تمت، فهي تعني (محاكمة الملايين) من الأفراد ربطتهم علاقات مصالح وعمل مع هذه الأنظمة؟!
*ليست الحكومات العسكرية وحدها التي يجب أن تحاكم، بل معها من سكتوا عنها طيلة سنوات حكمها…ثم بعد ذهابها تحولوا لأعداء لها وثواراً مناضلين!!.