واهم من يعتقد أن طريق الثورة يمكن أن يكتمل ويوصلنا إلى النهايات السعيدة إن كان مسفلتاً بالدماء أو معبّداً بالأشلاء. والتاريخ البعيد والقريب لمن يتأمله ويتفكر فيه، يجد أن أمماً كثيرة سادت ثم بادت لأنها اختلفت واحتربت، وتقاتلت وبالتالي لا يمكن أن يكون كل نتاج هذه الثورة العظيمة وهذا الحراك الضخم،أن يكون ناتجه ومحصلته البحث عن تصفية حسابات وفتح ملفات الثأر والانتقام. وما حدث أمس الأول في صالة قرطبة ضد الإخوة في المؤتمر الشعبي مرفوض بكل اللغات وينبغي ألا يجد إلا عبارات الإدانة التي تجعله فعلاً غريباً ومنبوذاً، حتى لا يتكرر تحت أي مبرر من المبررات لأن الغبن والتشفي الذي رسم المشهد كما وثقت له كاميرات الموبايلات يشيء أن تحت الرماد وميض نار ستشتعل وتحرق الأخضر واليابس، أن وجدت من ينفخ فيها أو يساعدها على التنفس والتمدد والارتفاع. وخلوني أقول إنه رغم أن واحداً من أسباب قيام هذه الثورة الشعبية هو مشاعر الظلم والكبت التي شعر بها المواطن السوداني لفترات طويلة، وإخراج هوائها الساخن والتنفيس عنها يجب أن يتحول إلى طاقه إيجابية تدفعنا إلى الأمام وليست طاقات سلبية موجهة نحو الآخر ترجعنا إلى الخلف كما حدث في صالة قرطبة أمس الأول لأن هذا الفعل الغادر لن يكسبنا إلا غرس شجرة الحنظل الذي سنتجرعه وتتجرعه الأجيال القادمة. والعنف -على فكرة- من الأمراض التي تعدي الآخر بسهولة، ويتحول من مجرد عارض صحي إلى وباء يعمي العيون ويكسو القلوب سواداً و(تجوط الحكاية) ونتحول إلى دولة الغاب وكل واحد يأخذ (حقو بضراعو). وبعدها نجلس لنبكي وننتحب على وطن اسمه السودان لذلك والحديث أوجهه للنخب السياسية المشغولة هذه الأيام بحسابات المحاصصة عليها أن تتبنى موقفاً جماعياً يرفض العنف بكل أشكاله تجاه أياً كان وتتبرأ من الشعار السيئ البغيض المشحون نار وبنزين (أي كوز ندوسو دوس) وهو إن كان شعاراً انتهجته المعارضة كتكتيك في مرحلة من المراحل وأدى غرضه فإنه اليوم ما عنده لازمة وسيكون رد الفعل عليه قاصمة ظهر لهذا البلد الممكون لأنك لا تتوقع أبداً أن تدوس الآخر وهو يجلس القرفصاء ينتظر دوس النعال لأنه ببساطة سيدافع عن نفسه ولن يقابل (الدوس بالبوس)، وحتخرب مالطا ومن فيها لذلك -وحرصاً على هذه الثور التي تحدث عنها العالم- فعلينا أن نتسامى جميعاً، ونترفع عن الثأرات لأن الانتقام ليس هو الطريق الأمثل لتحقيق العدالة، والعدالة والإنصاف يثبت أركانهما القانون الذي هو يالتأكيد ليس قانون الفوضى ولا أخذ الحق بالضراع وهي ثوابت يجب أن تعم وتسود بالاقتناع والإيمان المطلق. إن درب العنف وعر وهو دخيل علينا ولا (بنشبهو لا بشبهنا)، لذلك سنظل نضمد في هذا الجرح الذي يريد الغافلون والمندفعون أن ينفتح لتغرق الدماء بلاداً نعشقها ونتمناها دائماً بخير وعافية
كلمة عزيزة
من يتأمل تاريخ ثورات الشعب السوداني العظيمة يجد أن النخب السياسية قد خذلتها وتسببت في ضياع مكتسباتها بسبب الخلاف والاختلاف. وأخشى ما أخشى أن يتكرر ذات السيناريو بذات التفاصيل ونعيد الفيلم البائخ الذي تبرع الأحزاب في تمثيله وتشخيصه في كل المواسم وربنا يكضب الشينة
كلمة أعز
اللهم احمِ بلادنا من الفتن واجمع أهلها على كلمة سواء.