ما زال الأثر الكبير الذي تركه الدكتور “الباقر العفيف” في فضاءات المجتمع المدني وعالم الاستنارة والمعرفة عالقاً في الذاكرة والأحاسيس وطازجاً في العقول والأفئدة، فقد كانت هنالك دلالات عميقة ومعاني سامقة انطلقت من مركز “الخاتم عدلان” على الصعيد الاجتماعي والثقافي والأدبي والفلسفي والاقتصادي، وقد شكلت تلك المساهمات الذكية والجرعات العالية معالم الإنتاج الفكري والعصري من طرف المركز لمعالجة الكثير من قضايا الساحة السودانية.. تكالبت الحراب على مركز “الخاتم” بقيادة دكتور “الباقر” في ديسمبر 2012م، حيث أغلق أبوابه في ذلك التوقيت، غير أن الخرطوم ما زالت حتى اليوم تتنسم ذلك العبير الجميل، وتلك الإيقاعات السحرية والأفكار الموحية التي خرجت من المركز في تلك الأيام والليالي العطرة، حيث كان الهارموني في مركز “الخاتم” مكوناً من العقد النضيد والتناسق الأنيق بمشاركة الفرقة الذهبية المكونة من “أروى الربيع” و”خلف الله العفيف” و”عماد آدم” و”مدحت” و”أبو هريرة” وغيرهم من خلال تناغم مؤسسي لا تشعر فيه بقيادة “الباقر”.. في فبراير 2016م، غادر دكتور “الباقر” أرض الوطن حيث مرت سنوات طويلة على غيابه، وقد جال الرجل وصال في بلاد المهجر بين أمريكا وبريطانيا ودول أوروبا، حيث عمل أستاذاً جامعياً بجامعة مانشستر، فضلاً عن تولي قيادة حملة حقوق الإنسان في شمال إفريقيا والشرق الأوسط من خلال منظمة العفو الدولية، علاوة على ذلك تصدى “الباقر” هنالك لقضايا حقوق الإنسان ودعم مطلوبات الديمقراطية الليبرالية، وإزالة الظلامات والتهميش في مناطق العالم الموبوء، وفي تلك الأجواء حلت الأقدار القاسية بالرجل الذي عايش مرحلة عصيبة مع مرض السرطان، حيث قطع “الباقر” شوطاً كبيراً في ميادين المستشفيات العالمية المتخصصة بين لندن وأمريكا لعلاج المرض اللعين، وكان الرجل صابراً وشجاعاً وشفافاً في إبلاغ مراحل مرضه للجمهور من أبواب الأسافير، وهي خطوة تدل على شخصية “الباقر” الاستثنائية في حين يرى البعض أن المرض من الخصوصيات التي تستوجب المداراة، غير أن “الباقر” من خلال فلسفة عميقة قرر إبلاغ الأصدقاء والمعارف وتلاميذه وجمهور المجتمع المدني بالعلة التي أصابته، كأن هذا دين عليه بأن يفعل ذلك.. بحمد الله تعافى “الباقر” من مرضه وهو الآن يتعاطى جرعات مرحلة ما بعد تأميم العملية الناجحة.. على المستوى الشخصي وجدت نفسي من كتاب مركز “الخاتم” بعد أن دخلت عليهم كواحد من الرواد وقد هالني ضخامة إنتاج المركز في جميع المجالات مقارنة بمراكز المجتمع المدني الأخرى، فقد كانت هنالك برامج مخصصة لقضايا السياسة والاقتصاد، علاوة على مواعين الفكر والاستنارة وتحديد الأيام المخصصة للأفلام التوثيقية والأدب وتأليف النشرات والكتب باسم المركز وتكريم نوابغ المجتمع، وقد ظل بعض الرموز الوطنية والسياسية موجودين في أروقة المركز من حين إلى آخر على رأسهم الإمام “الصادق المهدي” والدكتور “منصور خالد” والمحامي الشاعر “كمال الجزولي” و”هويدا عتباني” والمرحوم “أمين مكي مدني” و”سامية الهاشمي” والدكتور “علي السيد” و”أسماء محمود محمد طه” و”الشفيع خضر” و”ناهد محمد الحسن” و”ناهد جبر الله” و”أمين الكارب” و”نبيل أديب”. ومن خلال تلك المعطيات قد شعرت بأن دكتور “الباقر” تسنده منظومته، يحمل لواء مجدد فضاء المجتمع المدني، وهو يتجاوز كلاسيكية هذا المجتمع بقدرة هائلة إلى فضاءات جديدة وغير مسبوقة بأسلحة التحرر من القيود الظلامية والكتلة الصماء.