الحالة التراجيدية التي تشكل الحرب الضروس بين مرافيت الشيوعي ضد حزبهم القديم على ردهات حكومة “حمدوك” ما زالت تسير على وتيرة متصاعدة من خلال نكهة صامتة، فالحرب بين الأخوة الأعداء في النظرية الماركسية لم تصل إلى حالة الانفجار الداوي، غير أنها سجلت تنافراً واضحاً بين طرفين، كلاهما يتمنى هزيمة الآخر وبوار نهجه الذي يتوكأ عليه في الفترة الانتقالية.. بقدر ما يحاول الحزب الشيوعي في أن يكون له دوراً بارزاً ومؤثراً وأن يطبق أجندته اللا مرئية بحذاقة ودهاء في الحكومة الحالية، بقدر ما وجد كتلة متماسكة وقفت سداً منيعاً أمامه، بل قامت بتسديد ضربات مؤثرة في مواجهته للحد من انطلاقته وتمدده، وهؤلاء هم مرافيتهم الذين تركوا الحزب الشيوعي إما بالطرد أو الاستقالة أو الاختلاف على برنامج، فالحزب الشيوعي يعتبر الذين خرجوا من بوابته في عداد المفصولين والمغضوب عليهم وربما يمكن وصفهم بخيانة التنظيم.. من نافذة القول إن مرافيت الشيوعي هم الدكتور “الشفيع خضر” والأستاذ “حاتم قطان” والوزيرة “لينا الشيخ” والقيادي بالحرية “أحمد ربيع” والقيادي بالحرية “أمجد فريد” فضلاً عن كلاً من “معز عبد الوهاب” و”مهيد صديق” علاوة على بعض الكوادر الأخرى في (قحت).
أولى الضربات كانت قبيل تشكيل الحكومة الانتقالية عندما نجح المرافيت في إنفاذ مشروع الهبوط الناعم القائم على التحالف بين العسكر والمدنيين، وهي الصيغة السياسية التي يرفضها الحزب الشيوعي بكل قوة من خلال مطالبته بإبعاد العسكر عن السلطة الانتقالية ووضع جميع آليات الحكم في يد المدنيين، حيث ظهر “أحمد ربيع” في الساحة، وهو يوقع وثيقة الشراكة مع “حميدتي” بدافع من “أمجد فريد” وثلة من المرافيت الذين كان لهم القدح المعلى في هذا الخط المضاد للشيوعي، وذلك بعد موافقة أجنحة (قحت) المختلفة.. أما الدكتور “الشفيع خضر” بحكم علاقته الوثيقة بالدكتور “حمدوك” فقد ظل عراب التوجهات الحكومية حول مشروع السلام والتفاوض مع الحركات المسلحة دون أن يظهر في المشهد، فقد كان “الشفيع” يعلم مدى أهمية العملية التفاوضية الخارجية كورقة سياسية إستراتيجية عند الحزب الشيوعي تخدمه في الكثير من أهدافه ومراميه، لذلك استطاع الرجل هزيمة الشيوعي في هذا المضمار وإخراجه من الاستثمار السياسي في هذه التفاهمات الحساسة والمهمة مع الحركات المسلحة التي تشكل في المستقبل نقطة الارتكاز على التحولات في الساحة السودانية.. وفي محور آخر كان الشيوعي يراهن على التحكم في مناطق المجتمع المدني والنشاط الاجتماعي المرتبط بمعاش وطموحات المواطنين حتى يتسنى له القبض على تلابيب الساحة الاجتماعية مثلما استطاع أن يهيمن على العديد من الاتحادات المهنية والتعاونية، غير أنه لم يجد موطئ قدم في هذه الفضاءات من خلال الوقفة الحاسمة والقوية من الأستاذة “لينا الشيخ” وزيرة الرعاية الاجتماعية والتي يقال إن لديها القدرة الهائلة على تسديد ضربتها في الوجه المضادة من خلال منهج يتميز بالهدوء التام وغياب الضوضاء.. وأيضاً من أخطر ضربات جماعة المرافيت في وجه الشيوعي تتمثل في التكنيك الفاعل الذي قام به الأستاذ “حاتم قطان” في إبعاد الشقة بين رئيس الوزراء والحزب الشيوعي، الشيء الذي جعل الأستاذ “مختار الخطيب” سكرتير الشيوعي يبلغ الطعم بممارسة هجومه المنتظم ضد الحكومة الانتقالية في الوسائط الإعلامية والمواقع الأسفيرية.. هذه هي بعض من خلاصة الحرب الشرسة بين الشيوعيين ومرافيتهم، فالواضح أن كلاهما يكن البغضاء للآخر بحكم تركيبة العقائديين الماركسيين التي لا تضع سانحة للمراجعة، فالمرافيت الآن انتصروا لكن ربما لا يستطيع المراقبين التكهن بنهاية المنازلة العاتية.