نزاهة السلطة القضائية!
ارتبطت علاقتي بالهيئة القضائية وتوسعت عقب انتفاضة رجب أبريل 1985م، فقد كانت السلطة القضائية وقتها ساحة للعدالة، وتميزت بنزاهتها ومازالت الهيئة القضائية أو السلطة القضائية تتميز بتلك النزاهة بكل مستويات التقاضي فيها.. لقد شهدنا أول محاكمة علنية وأول محاكمة لرموز مايو وكانت محاكمة الفلاشا التي تولى مولانا “عبد الرحمن عبده عبد الرحمن” قاضي تلك المحكمة رئاستها بكل حياد ونزاهة، وقد برع في سماع الطرفين الاتهام والدفاع بمستوى عالٍ والمحاكمة كانت تنقل عبر جهاز التلفزيون.. بل كانت أشبه بالمسلسلات المصرية، وكان الناس يتحلقون حول جهاز التلفزيون لمتابعة سير الحكم ولم يكن مولانا “عبد الرحمن عبده” متزمتاً تجاه طرف أو ليناًَ مع الطرف الآخر.. كان مستمعاً جيداً للوقائع حتى أصدر حكمه الذي يعد من أنزه الأحكام، وكذلك مولانا “صباحي” الذي تولى رئاسة محكمة “بهاء الدين محمد إدريس” وزير رئاسة الجمهورية في الحكم المايوي واستمرت أيضاً جلسات المحاكمة التي تولى الاتهام فيها مولانا “محمود أبكم” بينما كان يمثل الدفاع الأستاذ “عبد الباسط سبدرات” وآخرون.. لقد كان القضاء السوداني يمثل قمة النزاهة لم يتشفَّ على رموز مايو أو سدنته بل كان عادلاً في السماع حتى توصل إلى ما يدين أولئك أو يخفف عنهم الحكم.
من المواقف المشهودة للقضاء السوداني آنذاك موقف مولانا “محمد ميرغني مبروك” الذي تولى رئاسة القضاء بعد الانتفاضة وفي إحدى المرات دخل عليه السيد “صلاح عبد السلام الخليفة” وزير رئاسة مجلس الوزراء محتجاً على بعض الأشياء وعندما دار الحديث بينه وبين مولانا “محمد ميرغني مبروك” لم تعجبه ردود “مبروك” فخرج منفعلاً وضرب باب مكتبه بشدة فاعتبر “مبروك” ما قام به السيد “صلاح عبد السلام الخليفة” إهانة للقضاء ولرئيس القضاء فخرج مسرعاً خلفه ولحقه أسفل السلم وطلب منه الصعود والاعتذار وقد فعل، وهذا يدل على مكانة القاضي السوداني، فلن يخيفه بشر مهما كان موقعه.. لقد ظللنا أقرب إلى القضائية والقضاة وارتبطت بيننا وبينهم علاقة قوية، فرغم رهبة القاضي داخل المحكمة، ولكن خارجها يتميز باللطف والدعابة والمرح.
كان مولانا “عبد المنعم الزين النحاس” نائب رئيس القضاء الأسبق يتميز باللطف والأدب ولم يحرج في يوم من الأيام صحفياً بل يحب أخذ المعلومات، وكذلك مولانا “مهدي محمد أحمد” نائب رئيس القضاء الأسبق رحمة الله عليه، لقد خلقت الصحافة علاقة مميزة مع رجال القضاء فقد خلقنا علاقة مع مولانا “أحمد البشير” قاضي المحكمة العليا و”رباب أبو قصيصة” ودكتورة “توحيدة”، ومولانا “محمد محمود أبو قصيصة” وعدد كبير من القضاة مازالت علاقتنا بهم مميزة وممتدة.. ولقد تعرفنا عليهم عن قرب وكانوا مثالاً للأمانة والنزاهة لهذه السلطة.
ولقد عاصرنا عدداً من القضاة أمثال الراحل مولانا “خلف الله الرشيد” ومولانا “محمد ميرغني مبروك” رحمة الله عليه ومولانا “جلال علي لطفي” وعدد كبير من القضاة الذين تشرفنا بمعرفتهم ومازالت علاقتنا بهم ممتدة.