المهندس “عمر الدقير” رئيس حزب المؤتمر السوداني ذاع صيته على نطاق واسع كواحد من القيادات اللامعة المعارضة لحكومة الإنقاذ، وقد أطاح “عمر” بالموازين وتقليب الحسابات رأساً على عقب في زيادة وتيرة حراكه النضالي كلما تكالبت عليه حراب المطاردة، واضعاً حزبه في سلم نجومية الصمود والمنافحة.. الشاهد أن توهج “عمر” في مقاومة السلطة لم يخبُ؛ انطلاقاً من قناعات راسخة ومبادئ ثابتة، فقد ظل الرجل في أغلب الأحايين ضيفاً على المعتقلات والسجون، وكان آخرها حبسه لأكثر من (60) يوماً على خلفية الاحتجاجات والمظاهرات الماثلة للعيان في المشهد السياسي.. وقد زرنا المهندس “عمر” بمعية بعض الأصدقاء يوم الجمعة المنصرم للتهنئة بإطلاق سراحه ووجدنا الرجل هاشاً باشاً بحضور شقيقيه “محمد” و”معاوية الدقير” وخرجنا بانطباع إيجابي عن شخصيته.. وقد جال في خاطري في تلك اللحظة ما قاله لي القطب الاتحادي العريق “فتح الرحمن البدوي” بأن أبناء الراحل المقيم الشيخ “يوسف الدقير” يمثلون نموذج التلاحم الأسري الراقي الذي يقدس صلة الرحم ويوقر تباين التقديرات ويعتبر “جلال” كبير العائلة.. وأمامي أن “عمر” في مربع مختلف وأن “جلال” و”محمد الدقير” في قطار الشراكة من وحي مبادرة الحوار الشعبي الشامل الرافض للاحتراب الغليظ بين السلطة والمعارضة والمدمر للوطن!!
هنالك المنهج المصادم والتحرك الملتهب والخطوات الحارقة التي يقودها “عمر الدقير” في وجه النظام بالصورة الواضحة.. فهل تمثل هذه البضاعة السياسية رؤية ثابتة لحزب المؤتمر السوداني، وديدنه السرمدي المنقوش في جدران التنظيم، أم أن هنالك عوامل ومبررات موضوعية أملت على المهندس “عمر” وحزبه تمسك بهذه الصيغة الأحادية الجارفة البعيدة عن مناخات المحاججة والتحاور؟؟ فالإجابة القاطعة تكمن في إفادات المهندس “عمر” حول مواقف النظام مع حزبه من خلال محطات التجارب السياسية الطويلة، حيث يؤكد الرجل بأن المؤتمر الوطني لا يفي بالمواثيق ويستخدم أساليب الثعالب في منهجه، وأن حكومة الإنقاذ تتبنى أسلوب الإقصاء والاستئثار بمصر البلد وتتمادى في حماية الفساد وتخريب الاقتصاد الوطني، وزاد “الدقير” بقوله بأن منظومة التمكين ما زالت موجودة حتى الآن وأن الرئيس “البشير” لم يقدم استقالته من الوطني، وضرب “الدقير” مثالاً بواقعة هروب الإنقاذيين من التحاور معهم عندما ذهب إلى أديس أبابا ضمن وفد قوى نداء السودان، حيث فاوض الوفد الحكومي الحركات المسلحة والأمة القومي فقط، وأوضح “الدقير” بأن النظام حتى الآن لم يخاطب مطلوبات الشارع العام الذي رفعها، بل رد عليهم بالبمبان، وبذلك فإن البيئة غير ملائمة للحوار الذي تركناه خلف ظهورنا.. بناء على هذه المعطيات الواضحة وجد “عمر الدقير” نفسه مجبراً على استخدام البطاقة الفولاذية في وجه النظام والتي تعني بالكود الحرفي استخدام منهج المعارضة المسؤولة والشرسة ضد النظام، فقد كان المأمول من جانب المؤتمر السوداني وقياداته أن تكون هنالك محاججة وتحاور في سبيل تحقيق مبادئ الديمقراطية والحرية والسلام، وأن يتم التواضع على صيغة وطنية جامعة تؤطر إلى مرحلة ما بعد الهيمنة الإنقاذية الأحادية، لكنهم وجدوا الطريق مليئاً بالعوائق والمتاريس.. ها هو المؤتمر السوداني الذي صعد نجمه في الساحة كحزب ليبرالي جاذب للقوى الحية والشباب والقطاعات العلمية يرفع البطاقة الفولاذية للأجندة الغليظة التي تتبناها الكتلة الصماء!