ربع مقال

أنظر شمالاً

د. خالد حسن لقمان

.. زيارة خاطفة قمت بها بالأمس للولاية الشمالية، بصحبة نفر كريم استطاعت أن تنتزع من نفسي الكثير من متراكمات الإحباط تجاه هذه الولاية التي ظلت ولعقود طويلة تفقد أبناءها جيلاً بعد جيل حتى أصبحت يوماً وقد فقدتهم جميعاً بين مهاجرين ومغتربين في الأصقاع البعيدة والمهاجر النائية في كافة قارات الدنيا وفي مدن الوسط والعاصمة الخرطوم ليضحى عدد سكانها من مشارف أم درمان عند محطة أم جواسير وحتى حلفا القديمة في بحيرة النوبة عند الخط 22.5  لا يتعدى الـ(750) ألف نسمة !.. من يصدق هذا؟!! .. فقط (750) ألف نسمة أي أقل من سكان مدينة أم بدة في مدينة أم درمان !! .. ولكن ما حدث لي بالأمس بعث في نفسي الكثير من الأمل كما ملأ صدري بالكثير من الفرح فقد وجدت الأرض أمامي وقد اخضرت على مساحات شاسعة كما والبساط الأخضر الذي لا نهاية له كما ورأيت مساحات أخرى من سنابل القمح لا ترى لها نهاية على أفقها وقد ألتمعت مع شمس الأصيل حتى صارت كما والجدائل المتماوجة على أعطاف الصبايا اليافعات.. من لا يسره ويهزه مشهد كهذا يطل علينا في زمان تراكم علينا فيها الإحباط تلالاً وجبالاً.. لم أصدق ما أرى ولكنها حقيقة أمامي حية .. المدهش والمفرح معاً أن كل هذه المشروعات الصغيرة المتراصة والتي رأيتها بالأمس يملكها أفراداً قابلت بعضهم فأدخلوني في حالة انفصام بين صورة ذهنية محبطة تسيطر على وبين عزيمة تتدفق من بين يدي هؤلاء على الأرض وقد اكتمل جهدهم وأينع سنابلاً حان زمان حصادها تماماً .. هل يعيش هؤلاء معنا أم أنهم في رقعة أخرى بعيدة عنا؟ .. كيف انتزعوا من دواخلهم كل عوامل الإحباط التي نعيشها واستبدلوها بهذه الدفقات من الإرادة والعزيمة الماضية ؟ !!..  صدقوني ما رأيته بالأمس بعث أملاً قوياً في نفسي برؤية وطن عملاق يتمدد على طول وعرض بلادنا.. فقط علينا أن نستمد من هؤلاء هذه القوة التي دفعتهم لحرث أرضهم وزراعتها وانتظار خيرها.. أحد أصحاب هذه المشروعات الصغيرة أقنعه أحد أقاربه (الترابلة) بإرسال تكلفة زراعة أرضه بمحصول القمح ثم قام بإرسال صور إنتاجه له على الواتساب فإذا به يفاجأ بما أخرجته أرضه وخلال (48) ساعة، كان يغرس قدميه على الطين ويفتح بيديه جداول الري لتتدفق المياه إلى زرعه وعندما سألته عن حاله هذا قال لي بأنه استقطع من إجازته السنوية نصفها ليشرف بنفسه على حصاد محصوله من القمح والذي حسب متوسط ربحه منه في موسمه هذا فقط فوجده يساوي ضعفي مرتبه خلال عامين كاملين بل ويزيد عن ذلك.. فقلت له وماذا يرجعك لتنضم من جديد إلى ذوي الدخل المحدود لماذا لا تبقى هنا بين أهلك وأرضك؟!! ..  نظر إلىَّ بدهشة واستغراب وقال لي بعينين جاحظتين .. أنت عارف الظاهر ده الحيصل فعلاً بعد كده !!

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية