ربع مقال
د. خالد حسن لقمان
طالبان .. انتصار تاريخي ساحق .. !!
مثل اتفاق السلام الذي وقعته حركة طالبان الأفغانية في العاصمة القطرية الدوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية والقاضي بإيقاف الحرب التي استمرت بينهما لأكثر من 19 عاماً وبدء سحب القوات الأمريكية من أفغانستان فوراً وكذا تبادل الأسرى بين الطرفين والحكومة الأفغانية .. مثل وبلا شك صورة مختلفة تماماً عن أي اتفاق من نوعه يوقعه الأمريكان مع أي قوة أخرى على الأرض منذ الوقت الذي أصبحوا فيه القوة الأحادية في العالم في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي بكتلته الشرقية في بداية تسعينيات القرن الماضي بعد أن أفلحت الاستخبارات الأمريكية في التخطيط والتنفيذ الذي أفضى إلى تفكيك الاتحاد الروسي الشيوعي عبر البروستروكا التي كان مهندسها “ميخائيل قورباتشوف” والذي اعتبره التاريخ العميل الأكثر نجاحاً في مسيرة العمل الاستخباراتي الدولي عبر نموذج سيظل بحجمه وتأثيره باقياً في ذاكرة العالم .. ولكن وللمفارقة جلست هذه القوة أمام العالم كله وبكل جبروتها وقوتها وتاريخها العسكري بانتصاراته العظيمة مجبرة لتوقع ذلك الاتفاق الذي لهثت وراءه كثيراً حتى تم مع مجموعة محاربين لا زالوا يحاربون بـ(سراويلهم الطويلة وعماماتهم الكبيرة الملتفة حول رؤوسهم ووجوههم الملتحية) .. هذا الاتفاق الذي وصفه حينها الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترمب” بأنه فرصة لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد أن خاضت وكما قال قتالاً شرساً هناك.. يعتبر وبلا شك صورة مكررة لما آل إليه الحال بين الروس والمجاهدين الأفغان في العقد قبل الأخير من القرن الماضي.. ولكن الأمر الآن يتخطى مشهد المجاهدين الأفغان مع الروس إلى حد الهروب العلني والانسحاب المذل فوصف ترمب هذا عكس حينها المعاناة الكبيرة التي عانت منها القوات الأمريكية هناك بما يمكن معه وصف حالها هناك بالورطة التي تأمل واشنطن في الخروج منها سريعاً وبأي ثمن .. إذاً الأفغان يفعلونها مرتين ومع أكبر قوتين في العالم .. إنه اتفاق الأقوياء.. اتفاق يفرضه حفاة عراة لا يملكون من أمرهم سوى صدق إيمانهم وقوة عزمهم وراية تحمل بضعة كلمات تقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ذلك في مقابل ذلة وهوان تعيشها أمة بأكملها تجمعها ذات الشهادة برايتها هذه ولكنها اتخمت بثرواتها ولم تعد قادرة على استنهاض عزمها ولا قوة إرادتها وباتت قياداتها فارغة الصدور من الإيمان الصادق فأضحت كاذبة اللسان في القول وباطلة الفعل في العمل .. والآن وبعد أن أتم الامريكان المرحلة الثالثة للتفاوض الحكومي مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة والذي ادي الي الوصول الي الصيغة التي تم بها تنفيذ ما تبقي من اتفاق الانسحاب الذي اكملوه علي نحو سعوا لان ينسيهم كابوس افغانستان .. هاهم يعودون للدوحة من جديد وهذه المرة للوصول مع قادة طالبان الزاحفون الآن بقواتهم نحو كابل العاصمة لبسط كامل سيطرتهم علي افغانستان لاتفاق مرضي يضمن لهم الالتزام بمحددات تعطيهم ( الامريكان ) مبرراً لقبول الأمر مع حفظ كرامتهم وماء وجههم وهو ما دعاهم لقبول شرط قادة طالبان بعدم الجلوس في الدوحة بوجود الوفد الحكومي الافغاني وهو ما حدث بالفعل .. يا له من مشهد انتصار تاريخي مدهش لهؤلاء البدو المقاتلين الذين وردت آخر الأنباء بأنهم الآن قد أحاطوا كابل من تخومها احاطة السوار بالمعصم ورفضوا دخولها عنوة في انتظار دخولها بهدوء وسلام وهو ما قابله سكان كابل بإرتياح و احترام كبيرين وهذا في حد ذاته مثل روحاً عظيمة من المسئولية بمثل ما مثل حذاقة سياسية كبيرة عملت من خلالها طالبان بتقديم دخولها لاي مدينة بمشاورات وتفاهمات مع قبائل المدينة وعشائرها و زعمائها تمهيداً للدخول بسلام وهو ما دعا قوات الحكومة لان تفر من أمامها فراراً مخزياً وهذا المشهد في مجمله يجعل من انتصار طالبان هذا انتصاراً ساحقاً يوثقه التاريخ كالأول من نوعه في العصر الحديث في جانب سرعته وقوته وسلامه وقد مثل نجاحاً مزدوجاً لهذه الحركة في الجانبين الدبلوماسي و العسكري ..
نعم.. إنه فعل الأقوياء المؤمنين الصادقين عندما يؤمنوا ويصدقوا ايمانهم بعملهم ..
ولا نامت أعين الجبناء ..