الاضطرابات والاحتجاجات التي فجرتها المسألة الاقتصادية ممثلة في ندرة الخبز والوقود والسيولة تسير بالبلاد إلى منحى آخر، فالاجتهادات التي قامت بها الحكومة لحل المشكلة لم تقنع المتظاهرين، فاستمرت المظاهرات بمدن السودان المختلفة وبالأخص بالمركز ولكنها متفرقة هنا وهناك، اليوم دعت نقابات المهنيين إلى التظاهر إكمالاً للمظاهرات السابقة تبدأ من ميدان الشهداء بأم درمان .. وأنصار الحكومة أعلنوا عن مظاهرة لتأييد الحكومة بالساحة الخضراء يخاطبها السيد رئيس الجمهورية، إن الموكبين لأبناء الوطن الواحد فيه خطورة على البلاد والعباد، خاصة وأننا خسرنا فلذات الأكباد في المظاهرات السابقة ولم يتغير شيء، بل أصبحت المظاهرات والاحتجاجات عملية لشل حركة البلاد ويروح ضحيتها الأبرياء، لذا لابد أن نحكم صوت العقل وأن يكون من بين الطرفين من هم أقدر على امتصاص الغضب وحقن الدماء، الوضع لا يحتمل أكثر مما هو محتمله .. فالعالم تجاوز قطعة الخبز وطار إلى الفضاء يحقق الاكتشافات العلمية، ونحن ما زلنا نتصارع حول قطعة الرغيف والبنزين وتوفير النقود وحتى النقود التي أصبحت هاجساً للكل، الآن العالم كله لا يحمل نقود فى جيبه فالتعامل في كل دول العالم أصبح عبر البطاقة تأكل وتشرب بها وتركب المواصلات نحن مازلنا نتباهى بالنقود ونخرجها أمام الكافة ليرى الناس أن فلاناً محفظته مليانة نقود، وفلان جيبه يكاد أن ينقد من كثرة النقود، وفلان استولى اللصوص على كميات كبيرة من النقود التي يضعها في جيبه أو في منزله، مازلنا نعيش حالة من التخلف بينما العالم مضى إلى آفاق أكبر من ذلك، فالحالة الاختناقية التي تعيشها البلاد تحتاج إلى الحكماء من أبناء بلادي قبل أن نفقد وطناً اسمه السودان، لابد من رجل رشيد يعيد الوضع إلى طبيعته وأن يزيل تلك الحالة التي يستفيد منها الآخرون ممن هم يسعون إلى إشعال تلك الفتنة، ولا أدري هل تعلم الحكومة أو المعارضة الجهات التي تقوم بهذا العمل الإجرامي لإحداث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد بالتأكيد تلك الجهة معلومة للمتعاونين معها وهم يريدون أن يخربوا البلاد بتلك الاحتجاجات رغم أنها حق مشروع للكافة أن يعبروا عن مطالبهم الشرعية والحكومة تؤكد على ذلك، إن المظاهرات المطلبية تجاوزت ذلك وأصبحت سياسية، فعلى الدولة أن تتعامل مع المحتجين بصدر رحب وأن تعمل على نزع فتيل الأزمة بالطريقة السلمية بدلاً من الهراوات والبنبان وإدخال البلاد في دوامة لا تنتهي أبداً، يجب على الحكومة قبل أن يتحرك موكب الغد أن تصدر قرارا بإلغائه منعاً للفتنة فالشعب الصابر في حاجة إلى الأمن والأمان والاستقرار فليس من مصلحته ولا مصلحة الحكومة أن تكون في هذه الحالة التي لن تنتهي أبداً إذا استمر التصعيد بين الطرفين، فالشهداء سيكونوا بالآلاف يوم غدٍ إذا أصرت كل جهة وركبت رأسها.. أو إذا كان لابد من الخروج أن تكون سلمية تحرسها الشرطة بعيداً من استخدام القوة أو تحريك الآليات التي تزعج الشارع أكثر من تهدئته، كثير من دول العالم وعلى الأخص الجارة اليمن فقدت أعز أبنائها في الحرب الدائرة الآن بين الحكومة والحوثيين .. ما الفائدة التي جناها الطرفان من عمليات القتل وتمزيق البلاد؟ لقد تشرد أبناء اليمن الذي كان سعيداً بين دول العالم، إما لاجئين أو متسولين والعاقل من اتعظ بغيره، فالسيد رئيس الجمهورية عليه أن يهدئ الأمور بدلاً من شعللتها، وعليه أن يخاطب الكافة باعتباره راعي البلاد وحاقن دمائها قبل أن نفقدها في لحظة حماقة من الطرفين.