ولنا رأي

هل من حق الصحفي التظاهر؟!

صلاح حبيب

استضافتني (قناة الحدث) أمس الأول لأخذ إفادة عن الأحداث الجارية بالسودان وكيف تسير الأوضاع بعد خمسة أيام من المظاهرات التي اندلعت في مدن وولايات السودان المختلفة، قدمت إفادتي بكل تجرد ومهنية عالية لم أحيد عنها منذ أن اتخذت هذه المهنة،فالأوضاع في السودان كما ذكرت بأنها تسير بصورة طبيعية فهناك كر وفر بين المتظاهرين والأجهزة التي تقوم بمراقبة الموقف، وقلت إن المظاهرات خرجت بصورة عفوية وتعاملت معها الأجهزة الأمنية بصورة حضارية عدا بعض التفلتات من بعض منسوبي الأجهزة الأمنية ، وراح ضحية تلك الأحداث عشرات من المواطنين ما كان لتلك الأجهزة أن تتعامل معهم بتلك القسوة حتى تزهق أرواحهم، فالسودان من البلدان الآمنة والمستقرة ومواطنها يرغب في العيش الكريم ولا يتطلع إلى الرفاهية بقدر ما يريد أن يجد الضروريات من طعام وعلاج وكساء وتعليم في متناول اليد، ولكن السلطة وطوال الفترة الماضية التي كان المواطن يحتج سراً على الغلاء وارتفاع أسعار ضروريات الحياة لم تعره نظرة أو اتخذت من التدابير التي يمكنها معالجة الوضع الاقتصادي المنهار، ولما لم يشعر المواطن بأن هناك استجابة لمطالبه خرج إلى الشارع ليعبر عن مطالبه بهذه الطريقة التي أرادها.
مقدم البرنامج في (الحدث)، سألني إن كان الجسم الصحفي متماسكاً أم أن هناك انشقاقاً وسط الصحفيين، وهل بإمكان نقابة الصحفيين أن تشارك في عملية التظاهر، فقلت له إن الصحافة والصحفيين ليس من مهمتهم التظاهر أو الدخول في الإضرابات بقدر ما مهمتهم الآن العمل على نقل المعلومات وتحليلها ونشرها وإطلاع المواطنين على ما يجري في الساحة السودانية، والعمل على تجنيب البلاد والعباد الفتن والعمل على تهدئة الأوضاع ، وحث المسؤولين على معالجة الأزمة الاقتصادية التي دفعت المواطنين للخروج إلى الشارع ،إن موقف الصحفي من الأحداث الآن واضح، فالذي يريد الدخول في المظاهرات بصورة فردية فلا أحد يمنعه من التعبير والمشاركة باعتباره أحد أبناء هذا الوطن، والتظاهر حق مشروع لأي شخص، ولكن إذا كان للنقابة موقف معين ضمن النقابات الأخرى وطالبت منسوبيها الخروج إلى الشارع أو الانضمام إلى المد الذي تشارك فيه الجهات المختلفة، فهنا ممكن للصحفيين أن يشاركوا ضمن نقابتهم ، فسبق للصحفيين إبان أحداث أبريل 1985 أن شاركوا في المظاهرات، ولكن بصورة فردية عدا وكالة الإنباء السودانية التي دعت إلى الإضراب وطالبت منسوبيها بالمشاركة في المظاهرات مثلها ونقابة المحامين أو غيرها من النقابات الأخرى التي شاركت في انتفاضة أبريل، فالوضع الآن يختلف تماماً عن أحداث رجب أبريل وإن تساويا في الأزمات التي دفعت الكثيرين إلى التظاهر وقتها ، فانعدام الماء والكهرباء والوقود ومعظم ضروريات الحياة كانت سبباً كافياً لخروج المواطنين.. إضافة إلى أن أحداث رجب أبريل كانت لها قيادة سياسية تحركها وتدفعها إلى الشارع وتهيئ لها كل شيء،ولكن التظاهر اليوم تظاهر يفتقر إلى القيادة التي تقوده، اليوم لا توجد قيادة تقود الشارع ، والحكومة تحاول أن تعالج الأسباب التي دفعت المواطنين إلى الخروج فإذا توفر الخبز والوقود وتراجعت أسعار السلع الاستهلاكية فلا أظن أن المواطنين سوف يخرجون إلى الشارع لأن ليست من مهمتهم إسقاط النظام فالنظام يسقطه السياسيون، ولكن الساسة في السودان دائماً ينتظرون الشارع يقود المظاهرات، وعندما تسقط الحكومة يأتون، والكل يدعي أنه هو الذي فعل كذا وكذا، لذلك المشكلة الآن التي تواجه الشعب هي الأزمة الاقتصادية وفلوسهم التي لم يستطيعوا الحصول عليها من البنوك، فإن حلت الحكومة تلك المشاكل تكون قد نجت من العواقب الأخرى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية